26/05/2025

الصَّلاة بين الواجب وأسرار الخشوع

الصَّلاة بين الواجب وأسرار الخشوع

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين ومما جاء في خطبتيه :
 
 
الخطبة الاولى:

 

قال الله تعالى في كتابه العزيز: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ  إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ  وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ  وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ}. صدق الله العظيم.

 

عمود الدّين

 

دعا الله سبحانه وتعالى عباده في هذه الآية وآيات أخرى إلى إقامة الصّلاة، وحثّهم على أدائها والمحافظة على أوقاتها وعدم الغفلة عنها، وقد أشارت الأحاديث الشّريفة إلى أنّها عمود الدّين، وركن من أركانه، ودعامة من دعائمه، وطريق إلى الفلاح وخير العمل، ممّا يدعو إليه المؤذّنون في أذانهم.

 

وقد اعتبرها رسول الله (ص) أحبّ الأعمال إلى الله سبحانه وتعالى، وكان يقول: “إنَّ اللهَ تَعالى جَعَلَ قُرَّةَ عَيني فِي الصَّلاةِ، وحَبَّبَها إلَيَّ كَما حُبِّبَ إلَى الجائِعِ الطَّعامُ، وإلَى الظَّمآنِ الماءُ، فَإِنَّ الجائِعَ إذا أكَلَ الطَّعامَ شَبِعَ، وإذا شَرِبَ الماءَ رَوِيَ، وأنا لا أشبَعُ مِنَ الصَّلاةِ”. وقد أشار إلى تلك الأهميّة، أمير المؤمنين (ع)، عندما قال: “تَعَاهَدُوا أَمْرَ الصَّلَاةِ، وَحَافِظُوا عَلَيْهَا، وَاسْتَكْثِرُوا مِنْهَا، وَتَقَرَّبُوا بِهَا، فَإِنَّهَا كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً، أَلَا تَسْمَعُونَ إِلَى جَوَابِ أَهْلِ النَّارِ حِينَ سُئِلُوا ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ، قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ؟! وَإِنَّهَا لَتَحُتُّ الذُّنُوبَ حَتَّ الْوَرَقِ، وَشَبَّهَهَا رَسُولُ اللَّهِ (ص) بِالْحَمَّةِ تَكُونُ عَلَى بَابِ الرَّجُلِ، فَهُوَ يَغْتَسِلُ مِنْهَا فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ خَمْسَ مَرَّاتٍ، فَمَا عَسَى أَنْ يَبْقَى عَلَيْهِ مِنَ الدَّرَنِ، وَقَدْ عَرَفَ حَقَّهَا رِجَالٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ لَا تَشْغَلُهُمْ عَنْهَا زِينَةُ مَتَاعٍ، وَلَا قُرَّةُ عَيْنٍ مِنْ وَلَدٍ وَلَا مَالٍ، يَقُولُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: {رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ}”.

 

وقد كان رسول الله (ص) نصبًا بالصّلاة بعد التّبشير له بالجنّة، لقول الله سبحانه وتعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا}، فكان يأمر بها ويصرّ عليها بنفسه.

 

أهميّة الصّلاة

 

وهذه الفريضة تنبع أهميّتها من دورها في بناء شخصيّة الإنسان المؤمن، فهي تذكّره صباحًا وظهرًا وعصرًا ومساءً بالله عزّ وجلّ، بجلاله وعظمته وعلوّه، وبرسول الله (ص)، والموقع الّذي بلغه عنده، وبالمسؤوليّات الّتي عليه القيام بها تجاه ربّه عزّ وجلّ وتجاه نفسه وتجاه النّاس، وهي كما أشار القرآن الكريم، صمَّام أمان من الوقوع في الانحراف والزَّلل، وذلك قوله في الآية الّتي تلوناها: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ}. وقد ورد في الحديث: “من لم تنهَهُ صلاتُه عن الفحشاء والمنكر، لم يزدد من الله إلا بعدًا”.

 

الخشوع في الصّلاة

 

ولكن كل ذلك لن يحصل ما لم تقترن الصّلاة بما دعا إليه الله عزّ وجلّ، عندما قال: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُون * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ}، فلا يكفي حتى تتحقّق أهداف الصّلاة، ويحظى المصلّي بنتائجها، أداءها بأركانها وشرائطها، والتلفّظ بما ورد فيها، بل إنّها تحصل بالخشوع عند أدائها، وإلى هذا أشارت الأحاديث، ففي الحديث: “لا صلاة لمن لا يخشع في صلاته”، وفي حديث آخر: “لا يقبل الله صلاة عبد لا يحضر قلبه مع بدنه”، وقد ورد في الحديث: “إنَّ العبد ليصلّي الصّلاة لا يكتب له سدسها أو عشرها، وإنّما يكتب للعبد من صلاته ما عقل منها”.

 

والخشوع، أيّها الأحبَّة، وكما أشار إليه رسول الله (ص)، هو أن يتواضع لله، وأن يقبل العبد بقلبه كلّه على ربّه… والّذي من الطّبيعي إن حصل، أن ينعكس على جوارحه، وهذا ما عبّر عنه النّبي (ص)، عندما رأى رجلًا يعبث بلحيته في صلاته، فقال: “لو خشع قلب هذا، لخشعت جوارحه”.

 

متطلّبات الخشوع

 

لذلك، لا بدَّ من العمل وبذل الجهد لبلوغ حال الخشوع، والّتي تحتاج منّا إلى توفير أمور، منها:

 

أوَّلًا: أن يعي الإنسان أهميّة الخشوع في الصّلاة، وأنّها لبّ الصّلاة وروحها، فكما لا قيمة لجسد لا روح فيه، لا قيمة لصلاة لا خشوع فيها، وإن النّتائج الّتي يبتغيها الإنسان من وراء صلاته، لا تتحقّق إلّا به.

 

ثانيًا: أن يستفيد الإنسان من المقدّمات الّتي أعدّها الله للصّلاة، والّتي أراد منها أن يحقّق الخشوع، بدءًا بالوضوء الّذي لا ينبغي أن يقف عند حدود غسل الوجه واليدين ومسح الرأس والرجلين، ففي الوضوء، على الإنسان أن يستحضر موقفه يوم القيامة، والصّورة الّتي ينبغي أن يكون عليها عندما يقف بين يدي الله للحساب، وهذا ما ورد من ذكر عند غسل الوجه، بأن يقول: “اللَّهُمَّ بَيِّضْ وَجْهِي يَوْمَ تَسْوَدُّ فِيهِ الْوُجُوهُ، وَلَا تُسَوِّدْ وَجْهِي يَوْمَ تَبْيَضُّ فِيهِ الْوُجُوهُ”، وعند غسل اليد اليمنى: “اللَّهُمَّ أَعْطِنِي كِتَابِي بِيَمِينِي، وَالْخُلْدَ فِي الْجِنَانِ بِيَسَارِي، وَحَاسِبْنِي حِسَاباً يَسِيرًا”، وعند غسل اليد اليسرى: “اللَّهُمَّ لَا تُعْطِنِي كِتَابِي بِيَسَارِي، وَلَا تَجْعَلْهَا مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِي، وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّي مِنْ مُقَطَّعَاتِ النِّيرَانِ”، وعند مسح الرأس: “اللَّهُمَّ غَشِّنِي بِرَحْمَتِكَ وَبَرَكَاتِكَ وَعَفْوِكَ يوم ألقاك”، وعند مسح القدمين: “اللَّهُمَّ ثَبِّتْنِي عَلَى الصِّرَاطِ يَوْمَ ألقاك”.

 

ومن ذلك، وعي ما ورد في الأذان والإقامة عند أدائها، أو الإصغاء إليهما، والالتزام بما ورد قبل البدء بالصّلاة: {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ۖ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ *  قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}.

 

ثالثًا: أن يبتعد المصلّي عن كلّ ما يشغله عن أجواء الصّلاة من أمور الدّنيا أو حاجاتها، أو آلامها أو أحزانها، وإذا كانت لديه حاجة إلى أمر من أمور الدّنيا، فليتوجَّه بها إلى الله عزّ وجلّ، وأن يختار لصلاته المكان الهادئ البعيد من الضّوضاء والضّجيج، وأن ينظر خلال أدائه للصَّلاة إلى مواضع دعي إليها، بأن ينظر إلى موضع السّجود عند القيام، وإلى القدمين عند الرّكوع، وإلى موضع الأنف عند السّجود، وإلى الحضن عند الجلوس.

 

رابعًا: استشعار إجابة الله له خلال أدائه لأذكار الصّلاة. وهنا نورد الحديث القدسيّ عن الله عزّ وجلّ: “قسمت الصَّلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: الحمد لله ربّ العالمين، قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: الرّحمن الرّحيم، قال الله تعالى: أثنى عليَّ عبدي، وإذا قال: مالك يوم الدّين، قال: مجَّدني عبدي، أو فوَّض إليّ عبدي، فإذا قال: إيّاك نعبد وإياك نستعين، قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: اهدنا الصّراط المستقيم، صراط الّذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالّين، قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل”.

 

خامسًا: أن يصلّي الإنسان، وكما أشارت الأحاديث الشَّريفة، صلاة مودّع، بحيث يؤدّي الصّلاة كما لو أنها آخر صلاة يصلّيها وبعدها يلاقي وجه ربّه، ومن الطّبيعي أن يدعوه ذلك إلى الخشوع لربّه.

 

سادسًا: بأن يتأنَّى في صلاته، وأن لا يستعجل بها عند أدائها، بأن يتدبّر الأذكار الّتي وردت في الصّلاة، والسّور الّتي يقرأها في خلالها، وما يراد من القيام والرّكوع والسّجود والتّشهّد والتّسليم، فلكلّ عمل من أعمالها، وفعل من أفعالها، معنى يجب وعيه، فقد ورد في الحديث: “من صلّى ركعتين، يعلم ما يقول فيهما، انصرف وليس بينه وبين الله ذنب”.

 

سابعًا: أن يتمثّل بصلاة رسول الله (ص) الّذي ورد عنه أنَّه إذا جاء وقت الصّلاة، لا يعرف أهلًا ولا حميمًا، وكان إذا صلّى تربَّد وجهه خوفًا من الله. وقد ورد في حديث أصحابه عنه، أنّه كان يحدّثنا ونحدّثه، فإذا حضرت الصّلاة، كأنّه لا يعرفنا ولا نعرفه، لكونه موعد اللّقاء مع الله ربّ العالمين.

 

الصَّلاة الواعية

 

أيّها الأحبَّة، إننا أحوج ما نكون إلى هذه الصّلاة الخاشعة الواعية الّتي لا تقف عند حدود اللّسان والجوارح، بل تنبع من القلب، وتنعكس على الإحساس والمشاعر، والّتي إن حصلت، ستجعلنا أقرب إلى الله عزّ وجلّ، وسنكون بعينه، وعلينا دائمًا أن نعي أنَّ الله ينظر إلى القلوب، لا إلى صورنا وما تنطق به ألسنتنا.

 

وأن نعيش معاني هذا الدّعاء: اللّهمَّ ارزقنا لذّة الوقوف بين يديك، وخشوع القلب، ولا تحرمنا من نور القلب منك، ونعوذ بك من قلب لا يخشع، وعمل لا يرفع، ودعاء لا يسمع.

 

وآخر دعوانا أنّ الحمد لله ربّ العالمين.

 

بسم الله الرّحمن الرّحيم

 

الخطبة الثّانية

 

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصانا به الإمام الجواد (ع)، هذا الإمام الّذي تمرّ علينا ذكرى وفاته بعد أيّام، في التّاسع والعشرين من ذي القعدة، عندما قال: “ثلاث يبلغن بالعبد رضوان الله تعالى:  كثرة الاستغفار – والاستغفار، أيُّها الأحبّة، لا يقف عند طلب الغفران من الذّنوب، بل هو كما ورد، فيه خير ذكر، وخير عبادة، وتأكيد الإنسان الدائم لنفسه على التّقصير أمام ربّه – وخفض الجانب – بالتّواضع للناس واللّين معهم والرّحمة بهم… فهو وصيّة الله عزّ وجلّ لرسوله (ص)، عندما قال له: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ…} – وكثرة الصّدقة”، والّتي لا تقف عند بذل المال، بل إنّ كل معروف صدقة.

 

أيّها الأحبَّة، إنَّنا أحوج ما نكون إلى هذه الوصايا الّتي بها نحظى برضوان من الله تعالى، وبذلك نكون أكثر وعيًا ومسؤوليَّةً، وأكثر قدرةً على مواجهة التحدّيات.

 

العدوّ يواصل عدوانه

 

والبداية من العدوان الصّهيوني الّذي لا يتوقَّف على هذا البلد، حيث يواصل العدوّ الصّهيوني استهدافه للمواطنين عبر طائراته المسيّرة، وفي غاراته الّتي شهدنا بعضًا منها بالأمس، والّتي نخشى أن نشهدها في الأيّام القادمة، والّتي استهدفت عمق الجنوب والبقاع، وتهديده لأيّ مظهر من مظاهر الحياة في القرى الحدوديّة، لمنع عودة النّاس إليها، من دون أيّ رادع، بعدما كفّت الدّول الرّاعية، وعلى رأسها الولايات المتّحدة الأميركيّة، عن القيام بالدّور المطلوب منها في الضّغط على هذا العدوّ، ومنعه من المسّ بحياة المواطنين، وإرغامه على الانسحاب من الأراضي الّتي يحتلّها، بل نجد بدلًا من ذلك ضغطًا على لبنان، وفرض شروط عليه قد تصل إلى حدّ التّطبيع مع هذا العدوّ.

 

إنّنا أمام كلّ ما يجري، نجدّد دعوتنا للدّولة اللبنانيّة إلى القيام بالدّور المطلوب منها لحماية مواطنيها، وتوفير حقّهم بالأمان في أرضهم وحريّة البقاء فيها. ونحن لا نريد من ذلك أن نحمّل الدّولة اللّبنانيّة أكثر مما هي قادرة على تحمّله، فنحن نعي حجم قدرات هذا العدوّ، والتّغطية التي تأمّنت له، وإمكانات الدّولة اللبنانيّة، لكنّنا نريد منها أن تفعّل الدّور الّذي أخذته على عاتقها في ما يجري، بالعمل على الصّعيدين السّياسي والدّبلوماسي، للضّغط على الدّول الرّاعية لهذا الاتّفاق، للالتزام بالدّور الّذي أخذته على عاتقها، واستنفار جهودها لدفع الدّول العربيّة والإسلاميّة والصّديقة للبنان، ورفع صوتها في المحافل الدوليّة لدعم الموقف اللبناني المحقّ والعادل، في الوقت الّذي ندعو اللبنانيين في الدّاخل إلى أن يكون صوتهم واحدًا في مواجهة الاحتلال المستمرّ للأرض، ورفض المسّ بسيادة الوطن، ومنعه من تحقيق أهدافه العدوانيّة الّتي تمسّ كلّ اللبنانيين.

 

أولويّة ملفّ الإعمال

 

وبموازاة ذلك، نجدّد دعوتنا الحكومة اللبنانيّة الّتي وضعت إعمار ما تهدَّم على رأس أولوياتها في بيانها الوزاري، إلى القيام بدورها على هذا الصّعيد، حتّى لا يبقى ملفّ الإعمار رهينة من يريدون ابتزاز لبنان والمسّ بسيادته وأمنه.

 

ونحن هنا ننوّه بالقرار الّذي صدر عن القمّة العربيّة، بانشاء صندوق لدعم إعمار لبنان إلى جانب إعمار غزّة، والّذي بادرت دولة العراق بالمساهمة فيه، وكنّا نأمل، ولا نزال، من الدّول العربيّة الأخرى أن تؤدّي دورها على هذا الصّعيد.

 

ملفّ الانتخابات

 

ونعود إلى الانتخابات البلديّة والاختياريّة الّتي وصلت إلى مرحلتها الأخيرة في الجنوب اللّبنانيّ، والّذي سيؤكّد فيها أهالي الجنوب، ولا سيّما القرى الحدوديّة، دورهم الفاعل في إعادة بناء بلداتهم والنّهوض بها، من خلال اختيار مجالس بلديَّاتها، كما أدّوا دورهم في حماية هذا الوطن وقدّموا التّضحيات الجسام لذلك.

 

ونحن في هذا المجال، نعيد التّأكيد على ضرورة إبقاء هذا الاستحقاق الانتخابي في إطار التّنافس على البرامج الّتي تبتغي تحقيق الخير العام وخدمة النّاس، للوصول إلى اختيار بلديات ومخاتير قادرين على أن يؤدّوا دورهم من أجل إنماء قراهم ومدنهم.

 

إنّنا لا نريد لهذا الاستحقاق أن يكون سببًا للشرخ بين اللبنانيين، أو أن يخرج عن الهدف، ليكون وسيلة لإثبات الذّات أو الوجود السّياسي لهذا الطرف أو ذلك الموقع أو تلك العائلة، ونريد أن تطوى آثار هذه الانتخابات وتداعياتها مع انتهاء هذا الاستحقاق، ويكون ما بعده يومًا آخر يلتقي جميع الفائزين والخاسرين ومن أيّدوهم للتوحّد حول المصلحة العامّة لبلداتهم وقراهم ومدنهم ووطنهم.

 

الإبادة المستمرّة في غزّة

 

ونصل إلى غزّة الّتي لم تتوقّف فيها حرب الإبادة، بل إنّها تزداد ضراوة، والّذي نشهده بالتدمير الممنهج الّذي يقوم به العدوّ للحجر والبشر، والتجويع مع إحكام الحصار وسدّ منافذ المساعدات أو تعطيل توزيعها، وصولًا إلى الهدف الّذي يعمل له بتهجير أهالي غزّة، وهو مع الأسف، يجري تحت نظر العالم وسمعه، من دون أن يتحرّك الضّمير العالمي ليوقف هذه المعاناة.

 

ونحن وإن كنّا نشهد بعض التحوّل على مستوى الموقف الدولي، حيث صدر عن أكثر من مسؤول أوروبي إدانة لإجرام العدوّ، والتلويح بعقوبات عليه، لكنّها مواقف تبقى قاصرة إن لم تتم ترجمتها أفعالًا جديّة، وإجراءات تتجسّد في الواقع، لا أن تكون مجرّد ذرّ للرّماد في العيون، أو لاحتواء تداعيات ما حصل من مجازر لدى شعوبها، والّذي وصلت تداعياته إلى ما شهدناه أخيرًا من قيام مواطن أميركيّ غير عربيّ، أبى إلّا أن يعبّر عن تضامنه مع معاناة أهالي غزّة والشّعب الفلسطيني، بالصّورة الّتي قام بها، بعد أن وصلت هذه الحرب العدوانيّة إلى المستوى الّذي لا يستطيع أن يتحمّله أحد.

 

عيد المقاومة والتحرير

 

وأخيرًا، نتوقف عند مناسبة عزيزة علينا، وهي عيد المقاومة والتّحرير، الّتي تمرّ علينا في ذكراها الخامسة والعشرين في الخامس والعشرين من هذا الشَّهر شهر أيّار.

 

هذا العيد الذي يأتي كلَّ سنة ليذكّر اللبنانيين بالإنجاز الكبير الذي تحقّق لهم، وبالقوّة التي بلغوها، عندما استطاعوا هزيمة أعتى قوّة في المنطقة، والجيش الَّذي لطالما رسم في الأذهان الصّورة الوهميّة بأنَّه جيش لا يقهر، لينعم بعدها كلّ اللبنانيين بنسائم الحرية، والشّعور بالعزّة، والإحساس بكرامة الانتماء إلى وطن لم يستجد أحدًا حتّى يحصل على أمنه واستقراره وحريّته، بل جاء بكدّ أيدي أبنائه.

 

إننا ندعو اللبنانيين إلى أن يحفظوا هذا التاريخ جيدًا؛ أن لا ينسوه، ولا يمحوه من ذاكرتهم، وأن لا يسمحوا لأحد بأن يشوّه صورته لحسابات ضيّقة، أو يحمّله أوزارًا ليس مسؤولًا عنها، أو اتّهامات هو بريء منها.

 
ألقيت في 23-5-25
اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير