اضاءات
05/09/2025

الولادة الأعظم لرسول الله(ص)

الولادة الأعظم لرسول الله(ص)

 

 

 

كيف نتمثّل ذكرى المولد؟ هل نتمثّلها في الطّفولة الأولى الّتي انفتح فيها رسول الله(ص) على الحياة، حيث عاش يُتْمَ الأب وهو جنين، ويُتْمَ الأمّ وهو رضيع، ودرج في ساحة ليس فيها من الإيمان ما يملأ العقل والقلب والحياة؟ ولكنّ الله تعالى أعدَّه إعداداً خاصّاً في عناصر شخصيَّته التي غرس فيها الطّهر كلّه، والعصمة كلّها، والصّفاء كلّه، وكان يربّي عقله وخلقه وحياته.

 

كما ورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع) وهو يحدّثنا عن طفولته(ص): "ولقد قرن اللّه به(ص) من لدن أن كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته"[1]، بحيث كان هذا الملك ـ من قبل أن ينـزل الوحي على رسول الله(ص) ـ يلقي إليه ما يريد الله تعالى أن يلقيه في عقله، وفي قلبه، وفي عناصر شخصيته كلّها، فنشأ في عين الله سبحانه وتعالى، وقد ورد عنه(ص) أنّه قال: "أدّبني ربّي فأحسن تأديبي".

 

وجاءت بعد ذلك مرحلة النبوّة الّتي أفاضت عليه النّور كلّه، بعدما كان، كما وصفه الله تعالى: {مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ}. وسمع النّداء: {وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} وأيضاً: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}

 

وانطلق في الولادة الثّانية، وهي الولادة الأعظم، لأنَّها ولادة الإنسان الرّسول، فقد ولدت الرّسالة في شخصيّته، وولد(ص) في عناصر الرّسالة كلّها، فلقد تجسّدت الرّسالة وتمثّلت فيه، حتّى كان رسالةً تتحرّك، فكان عقله عقل الرّسالة، وكان قلبه قلب الرّسالة، وكانت حركته حركة الرّسالة، ولم يكن فيه شيء غير الرّسالة. ولذلك، كان الكتاب النَّاطق، فكان النّاس يتمثّلون الآية في لسانه، عندما يستمعون إليه وهو يتلوها عليهم، ويتمثَّلونها في ذاته عندما يجدونها متجسِّدةً فيه.

 

العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله(رض)

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير