ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين وجاء في خطبتيه :
قال الله سبحانه: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا}. صدق الله العظيم
.
الخوف حالة إنسانيَّة نجدها لدى كلّ البشر، ومن دون استثناء، وهو أمر مفطور عليه الإنسان، فمن الطّبيعيّ أن يخاف الإنسان إن تعرَّض له ما يهدِّد حياته أو صحَّته أو كرامته أو مصالحه، أو أن يصاب بفقر أو بلاء أو مكروه، بل قد يكون واجبًا عندما يكون الخوف من الله، أو من ارتكاب الحرام، أو التّقصير في أداء الواجبات الّتي يدعوه الله عزَّ وجلَّ إليها، والّذي أشار إليه الله سبحانه وتعالى عندما قال: {وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}، وقوله عزّ وجلّ: {وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا}.
فالخوف، إن حصل، يدفع بالإنسان إلى أن يتَّقي المكاره والوقوع فيما لا يرضي الله تعالى، ويسعى إلى حماية نفسه من المخاطر الَّتي يتعرَّض لها.
مواجهة الخوف بالوعي
لكنَّ الخوف قد يصبح أمرًا مستنكرًا ومدانًا، ويكون مدمِّرًا، إن هو تملَّك بالإنسان والمجتمع، وأدَّى إلى شلِّ إرادته، ودفعه إلى اتّخاذ قرارات لا تتّفق مع قيمه ومبادئه وحريّته وكرامته، أو إلى التّخلّي عن المسؤوليّات والواجبات الملقاة على عاتقه تجاه نفسه أو تجاه مجتمعه أو وطنه أو أمَّته.
لذا أشار القرآن الكريم إلى أنَّ الخوف هو أحد أبرز أساليب الشَّيطان، قال الله سبحانه وتعالى: {ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ}.
ومن هنا، كانت دعوة الله سبحانه وتعالى المؤمنين إلى أن لا يخضعوا لخوفهم، بأن يدقِّقوا في الأخبار الَّتي ترد إليهم وتتسبّب لهم بالخوف، وأن يتعاملوا معها بعقلانيّة، بأن يرجعوا إلى من يملكون معرفة حقائق الأمور، لا إلى الّذين يزيدونهم خوفًا أو يريدون هزيمتهم نفسيًّا، ليكونوا على بيّنة من الواقع، وهذا ما أشار إليه الله: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}.
حيث غالبًا ما يتبيّن للأفراد والمجتمع أنَّ ما خافوا منه وأربك واقعهم ودعاهم إلى خيارات غير صحيحة ليس واقعيًّا، أو أنّه ليس بالصّورة الّتي كانت مرسومة في أذهانهم. وفي المقابل، فإنّ عليهم إذا شعروا بالخوف من أخطار حقيقيّة قادمة، أن لا ينسوا أنَّ الله الحاضر في الكون والحياة، هو القادر إن استعانوا واستعاذوا به على أن يغيّر حالهم إلى أحسن حال، وهذا ما دعا الله إليه في سورة الفلق: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ}.
واللّجوء إلى الله يكون بذكره، باستحضار قوَّته وعظمته وعلوّه وقدرته وهيمنته على الأمر كلّه، وأنّه عند وعده بأن يذكر مَنْ يذكره، وأن يجيب دعوة الدّاعي إذا دعاه، وأن يعين من يتوكّل عليه ويستند إليه، وأنّه لا يخلف وعده، وهذا ما أشار إليه سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ}، وعندما قال: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}، {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}، وعندما قال: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}.
الثّقة بالتَّأييد الإلهيّ
وهو عزَّ وجلَّ لم يكتف بوعوده هذه لعباده، بل أشار، سبحانه وتعالى، وفي أكثر من آية، إلى أنَّ هذا التَّأييد منه سبحانه يتحقَّق على أرض الواقع، وقد ورد على هذا الصَّعيد أكثر من حادثة أشار إليها القرآن الكريم:
الأولى: هو حديثه مع النَّبيّين، موسى وهارون (ع)، بعدما أبديا له خوفهما من فرعون وبطشه، إن هما دعواه إلى ترك ظلمه وجوره وطغيانه {قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَىٰ}، فقال لهما مطمئنًّا: {قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى}، وهذا ما حصل بتأييده لهما والنَّصر الّذي تحقّق عليه عندما أغرقه الله وحده.
الثّانية: حدثت مع رسول الله (ص)، لمـّا هاجر من مكَّة إلى المدينة، ولاحقته يومها قريش، وكادت تصل إليه وهو في الغار، يومها خاف من كان معه، فقال له رسول الله (ص): {لَا تَحْزَنْ - يعني لا تخف - إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}، فكان أن أنجاه الله {فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.
الثَّالثة: بعد النَّكسة الَّتي تعرَّض لها المسلمون في معركة أحد، يومها، وبعد عودتهم إلى المدينة ووصولهم إليها، جاءهم خبر أنَّ أبا سفيان قرَّر أن يهاجم المدينة، بعد أن شعر بضعف المسلمين نتيجة الخسائر الّتي تعرّضوا لها في العدد الكبير من الشّهداء والجرحى، وما أصاب رسول الله (ص) من خلالها، عندما كسرت رباعيّته وشجَّ رأسه. يومها، لم يشلّهم الخوف، بل توكّلوا على الله وخرجوا جميعًا، حتّى الجرحى منهم، لمواجهة ما سيقدم عليه أبو سفيان، وقد أشار الله عزَّ جلَّ إلى ذلك، فقال: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}، فكانت النّتيجة {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ}.
الحذر من صنّاع الخوف
أيُّها الأحبَّة: إنَّ من طبيعة الحياة أن نعاني فيها الخوف والجوع والنَّقص في الأموال والأنفس والخيرات، وذلك ما أشار الله إليه بقوله: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ}، ودعانا إلى أن نواجهه بالصَّبر، فقال: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}.
ولكن ما نحن مدعوّون إليه، أن نحذر ممَّن يعمل على صناعة الخوف في واقعنا، ومن يزرع فينا الهواجس حتّى يشلَّنا ويمنعنا من المضيّ في الطَّريق الّذي رسمه الله لنا، ما يدعونا إلى أن لا نستكين لذلك، فلا نضعف ونهزم ونجزع ونتراجع، بل أن نتحلَّى بما دعانا الله إليه من الصَّبر والثَّبات بالشَّكل الّذي يجعلنا نفكِّر تفكيرًا سليمًا يدفعنا إلى دراسة أسباب المشكلة، والعمل على معالجتها، وأن نستند أمام كلّ ذلك إلى الثّقة بالله والتوكّل عليه، ووعده لنا بالتَّأييد والتَّشديد، لنحظى بما يحظى به الصَّابرون: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}، وعندما قال: {إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا}.
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الخطبة الثَّانية
عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بالموقف الَّذي وقفه الإمام زين العابدين (ع)، حين ثار أهل المدينة على يزيد يومها، والّتي أدّت بعد ذلك إلى واقعة الحرّة الّتي حدثت في 13 محرَّم من السنة 63 للهجرة، أي بعد ثلاث سنوات من استشهاد الإمام الحسين (ع).
يومها، أراد مروان بن الحكم الّذي كان يقود الأمويّين في المدينة، الهرب من المدينة، وراح يبحث عمّن يضع عنده عائلته، فلم يقبل أن يودعها عنده سوى الإمام زين العابدين (ع)، رغم كلّ أفعال مروان تجاه أهل البيت (ع) وكراهيته لهم، فمروان بن الحكم شارك في الحرب على عليّ (ع) في الجمل وصفّين، وهو من منع الحسين (ع) من دفن أخيه الحسن (ع) إلى جنب جدّه رسول الله (ص)، وهو من أشار إلى والي المدينة عندما دعا الإمام الحسين (ع) ليبايع يزيد، بقوله له: لا تدعه يخرج حتّى يبايع، وإلّا فاضرب عنقه. لكنّ الإمام زين العابدين (ع) لم يتصرّف بردّ فعل تجاه عائلته، بل بوحي إيمانه وإنسانيَّته، وهي الّتي عبر عنها الشّاعر عندما قال:
مَلكْنا فكان العَفْو منَّا سَجيَّةً فلمَّا ملكْتُمْ سالَ بالدَّمِ أبْطَحُ
وحَلَّلْتُمُ قتلَ الأسارى وطالَما غَدوْنا عن الأسْرى نَعفُّ ونصفَح
فحسْبُكُمُ هذا التَّفاوتُ بيْنَنا وكلُّ إِناءٍ بالَّذي فيهِ يَنْضَحُ
وقد أشارت إحدى بنات مروان بن الحكم إلى مدى الرّعاية الّتي حظوا بها عند الإمام زين العابدين (ع)، فقالت: والله لقد وجدنا من الرّعاية من الإمام زين العابدين (ع) وتفقّده لنا ما لم نجده من أبينا.
أيّها الأحبَّة، إنّنا أحوج ما نكون إلى أن نستلهم أهل البيت (ع) في أخلاقهم الّتي بها كسبوا قلوب النّاس، ووصلت حتّى إلى أعدائهم، وبها نفتح قلوب النّاس علينا، وبذلك نكون أكثر وعيًا ومسؤوليةً وقدرةً على مواجهة التّحدّيات
.
تحت ضغط العدوان
والبداية من العدوان المستمرّ على لبنان، والّذي شهدناه في الغارات الّتي طاولت مناطق جديدة في الجنوب والبقاع، وعمليّات الاغتيالات اّلتي توسّعت دائرتها لتصل، ولأوّل مرّة، إلى الشّمال اللّبنانيّ... وعبر المسيّرات التّجسّسيّة الّتي تجوب المناطق اللّبنانيَّة، والاستهداف المستمرّ للقرى الحدوديّة والتَّهديم للبيوت فيها... والّتي يهدف من خلالها العدوّ إلى مزيد من الضّغط على الدّولة اللّبنانيّة وعلى اللّبنانيين للانصياع لإملاءاته، والّتي تمسّ أمن هذا البلد وسيادته ومستقبله.
وسط كلّ ذلك، تأتي زيارة المبعوث الأميركيّ، المكلّف أميركيًّا بمتابعة الملفّ اللّبنانيّ، لاستلام ردّ الدّولة اللّبنانيّة على مطلبه الأساس بسحب سلاح المقاومة، ودعوة لبنان للالتحاق بقطار التّسوية الجارية في المنطقة، ليحظى لبنان بما يعده به من مكتسبات يوفّرها السّير في هذا الطّريق...
وقد جاء الرّدّ اللّبنانيّ الموحَّد من قبل الرّئاسات الثّلاث، والّذي أشار إلى الخطوات الإيجابيَّة الّتي أقدمت عليها الدّولة اللّبنانيّة، لجهة ما قامت به من تنفيذ ما طلب منها من الاتّفاق، فيما لم يقم العدوّ الصّهيوني بالحدّ الأدنى المطلوب منه، بل ازدادت عدوانيّته، ودعا الردّ المبعوث الأميركيّ إلى الضّغط على هذا الكيان لإيقاف عدوانه والانسحاب، وبعد ذلك، إذا كان من مطالب يدعى إليها لبنان، فاللّبنانيّون كفيلون بحلّ هذه القضايا، وسيجدون الوسيلة لعلاجها.
لذلك، يبقى لبنان على حافة الانتظار إلى حين يأتي الرّدّ الأميركيّ على ما قدّمه، والّذي نخشى أن يكون سلبيًّا بسبب الموقف الإسرائيلي المتعنّت الّذي يصرّ على التّعامل مع لبنان من موقع الضّعيف الّذي يملى عليه
.
الرّهان على الوحدة
إنّنا أمام ما يجري، نعيد التّأكيد على أهميّة الحفاظ على الموقف الرّسمي الموحّد، وندعو اللّبنانيّين إلى الالتفاف حول هذا الموقف ودعمه، بدلًا من التّصويب عليه، لضمان إنهاء هذا الاحتلال وعدوانه، واستعادة سيادة الدّولة على كلّ أراضيها، حيث لا يمكن أن يتمّ ذلك إلّا بهذه الوحدة الّتي تأخذ بالاعتبار مصلحة هذا البلد وقوَّته.
إنّ من المؤسف أن نرى أنَّ هناك من لا يزال يراهن على العدوّ وإملاءاته وشروطه لتحقيق أهدافه في السّاحة الدّاخليّة وتقوية موقعه فيها، ولو كان ذلك على حساب وحدة هذا البلد وسيادته وأمنه، فيما يعلم الجميع أنَّ هذا العدوّ ما عمل ولا يعمل لحساب طائفة أو مذهب أو موقع سياسيّ، بل هو يعمل لحسابه، ولتكون له الهيمنة على لبنان وعلى المنطقة كلّها.
إنَّ اللّبنانيين معنيّون في هذه المرحلة الّتي ترسم فيها خرائط المنطقة كلّها بأن يرتقوا إلى مستوى التّحدّي الّذي يواجههم، لكي يكونوا في منأى عن تداعياته، وأن لا يخلدوا لمن يقول لهم سارعوا إلى اللّحاق بقطار المنطقة قبل أن يفوتهم، علمًا أنَّ اللّبنانيّين جميعًا يعون أنّه لن يوصلهم إلى ما يصبون إليه من استعادة حقوقهم، وكلّ التّجارب السَّابقة أكَّدت ذلك.
الإعمار رهينة السياسة
في هذا الوقت، لا يزال اللّبنانيّون ينتظرون مبادرات الحكومة لإخراج البلد من حال المراوحة الّتي يشهدها على الصّعيدين الاقتصاديّ والمعيشيّ، والّتي لا تقف عند حدود زيادة الرّواتب الّتي لا تلبّي الحدَّ الأدنى من احتياجات اللّبنانيّين المتزايدة ومن متطلّبات حياتهم، بل تأكلها الزّيادات الّتي تطرأ على الأسعار.
في الوقت الّذي نعيد دعوة الدّولة إلى الوفاء بما التزمت به على صعيد الإعمار، فرغم أنّنا نعي حجم الضّغوط الّتي تمارس على لبنان على هذا الصّعيد، واعتباره ملفًّا سياسيًّا لا انسانيًّا يمسّ آلاف العائلات الّتي دمّرت بيوتها، لكن لا بدَّ من عدم الاستسلام لها، والتّفكير في بدائل تضمن الخروج من هذا الواقع الصَّعب الّذي بات لا يحتمل.
غزّة: النّزيف المستمرّ
ونصل إلى المأساة المستمرّة في غزّة، والّتي تستكمل في الضّفّة الغربيّة، حيث يواصل العدوّ الصّهيوني حرب الإبادة فيها، على الرّغم من المفاوضات الأخيرة الّتي تجري لوقف إطلاق النّار، والّتي يحاول العدوّ المماطلة فيها لاستكمال عمليّات القتل والتّدمير الّتي يهدف من ورائها إلى تصفية القضيّة الفلسطينيّة، رغم ما يتعرّض له من استنزاف داخليّ من خلال العمليّات البطوليّة الّتي تقوم بها المقاومة، ومن استنزاف خارجيّ في سمعته الّتي تزداد سوءًا، والّتي وصلت إلى مجتمعات الدّول الرّاعية له، وحيث تستمرّ هذه الدّول في تقديم كلّ سبل الدّعم له، ما يستدعي تحرّكًا من العرب والمسلمين لممارسة دورهم في منع الكثير من هذه الدّول من تقديم دعمها لحرب الإبادة، بعد أن حان الوقت لتحسّس خطورة ما يجري في فلسطين، والّذي لن يكونوا بمنأى عن تداعياته.
استنكار اغتيال شحود
وأخيرًا، إنّنا ندين ما حدث في سوريا من استهداف أحد العلماء فيها، وهو الشّيخ رسول محمّد شحود، إنّنا ندعو إلى معالجة جادّة لمنع استمرار هذه الممارسات، وإلى معاقبة فاعليها، حتّى لا تتكرّر، وحرصًا على الوحدة الوطنيّة وعلى أمن هذا البلد واستقراره ونهوض الدولة الّتي نريد أن يشعر كلّ المواطنين فيها بإنسانيَّتهم ومواطنيَّتهم، وبكلّ تنوّعاتهم الطّائفيّة والمذهبيّة والقوميّة فيها.