10/11/2025

التنوّعُ الإنسانيّ بينَ حكمةِ الخلقِ وميزانِ التَّقوى

التنوّعُ الإنسانيّ بينَ حكمةِ الخلقِ وميزانِ التَّقوى

 

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين ومما جاء في خطبتيه :

 
الخطبة الاولى :
 
 

قال الله تعالى في كتابه العزيز: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا  إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ  إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}. صدق الله العظيم.

لقد أراد الله سبحانه وتعالى من خلال هذه الآية أن يشير إلى عدّة أمور:

الأخوّة الإنسانيّة

أوّلًا: أن يذكّر النَّاس أنّهم قد يختلفون في أديانهم ومذاهبهم وأوطانهم وقوميّاتهم وألوانهم ومواقعهم الاجتماعيّة والسّياسيّة، لكن عليهم أن لا يغفلوا أنّهم إخوة في الإنسانيّة، والّتي لو استحضروها، لن تؤدّي التّمايزات بينهم إلى تعقيد العلاقة بعضهم ببعض وتفرّقهم، وهذا ما عبّر عنه أمير المؤمنين (ع) لواليه مالك الأشتر عندما أرسله إلى مصر، وطلب منه أن لا ينسى أنّ النّاس، حتّى وهم يختلفون معه، إخوة له، فقال: “وأشعر قلبك الرّحمة للرّعيَّة، والمحبَّة لهم، واللّطف بهم، ولا تكوننَّ عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنّهم صنفان؛ إمَّا أخ لك في الدّين، أو نظير لك في الخلق”.

الاختلاف مدعاة للتّلاقي

ثانيًا: أشار الله عزَّ وجلَّ، إلى أنَّ هناك تنوّعًا تشهده الحياة على صعيد القبائل والشّعوب، وهذا حصل بمشيئته، لكنّه سبحانه لا يريده أن يكون مدعاة للتَّصادم والاختلاف والانقسام، أو أن يؤدّي إلى أن يتسلّط بعضهم على البعض الآخر، بل أن يكون بابًا للتَّواصل والتَّلاقي والتَّعارف، وأن يستفيد كلّ منهم من الآخر ما يغني حياة الجميع.

معيار التّفاضل بين النّاس

ثالثًا: لقد حدَّد الله سبحانه وتعالى من خلال هذه الآية المقياس الَّذي به يقيّم عباده ويفاضل بينهم، وعلى أساسه يحظون بالكرامة والشّرف والموقع عنده، عندما قال: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}، فهو لا يفاضل بين عباده أو يمنحهم الكرامة عنده على أساس اللّون أو الحسب أو النّسب أو المال أو الموقع أو القوَّة، بل على مدى التزامهم وأخذهم بالتّقوى… وهذا ما عبّر عنه النّبيّ (ص) في خطبة له: “إنَّ الله لا ينظر إلى أحسابكم ولا إلى أنسابكم ولا إلى أجسامكم ولا إلى أموالكم ولا إلى مواقعكم، ولكنّ الله عزّ وجلّ ينظر إلى قلوبكم، فمن كان له قلب صالح تحنَّن الله عليه، وإنّما أنتم بنو آدم، وأحبّكم إليه أتقاكم”.

والتّقوى، أيّها الأحبّة، لا تقف، كما يعتقد الكثير من النَّاس، عند كثرة الصّلاة والصّيام والحجّ وأداء النّوافل وقيام اللّيل، رغم أهميّة كلّ ذلك الدّور الّذي تؤدّيه العبادات في بناء شخصيّة الإنسان المتّقي، لكنَّها تتّسع لتشمل كلّ جوانب الحياة ومفاصلها، بل إنَّ الله عزّ وجلّ يريدها أن تنعكس على سلوك الإنسان داخل بيته، ومع أرحامه، ومع جيرانه، وفي موقع عمله، وفي علاقته بالنّاس جميعًا، ممّن يلتقي معهم أو يختلف، وقد عبّر عنها أمير المؤمنين (ع) بقوله: “إنَّ أهلَ التَّقوى قَوّالونَ بِأَمرِ اللهِ، قَوّامونَ عَلى أمرِ اللهِ، قَطَعوا مَحَبَّتَهُم بِمَحَبَّةِ رَبِّهِم، ووَحَشُوا الدُّنيا لِطاعَةِ مَليكِهِم، ونَظَروا إلَى اللهِ عزَّ وجلَّ وإلى مَحَبَّتِهِ بِقُلوبِهِم، وعَلِموا أنَّ ذلِكَ هُوَ المَنظورُ إلَيهِ لِعَظيمِ شَأنِهِ”. فالتّقوى تعني أن يكون الله عزّ وجلّ حاضرًا معك في كلّ المواقع؛ هو حاضر في قلبك، وهو من يحرّك مسارك وسلوكك ومواقفك، لا الأهواء ولا العصبيّات ولا الانفعالات ولا المصالح الخاصَّة.

عناصر التّقوى

وقد أشار الله عزّ وجلّ إلى العناصر الّتي لا بدَّ أن تتوفّر في الإنسان حتّى يكون الإنسان تقيًّا، وهو ما جاء في قوله: {وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}. فحتّى يكون الإنسان تقيًّا، لا بدَّ أن يكون مستقيمًا، لا يحيد عن جادة الحقّ، مهما بلغت الضّغوط وعظمت التّحديات، وحتّى لو كان ذلك على حسابه.

وأشار إليها سبحانه في آية أخرى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}. فحتّى تكون تقيًّا، لا بدَّ أن تكون عادلًا مع الصّديق والعدوّ، وفي حالي الغنى والفقر، وعند الضّعف والقوّة.

وورد الحديث عن التّقوى في قوله سبحانه وتعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَٰلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}. فالمتّقي هو من لا يكثر نومه، بل يرى اللّيل مطيّته لأداء مسؤوليَّاته، وللوقوف بين يدي ربّه، ولمحاسبة نفسه، ومن يعتبر أنّ للفقراء والمحرومين حصّة من ماله لا يبخل عليهم بها… وورد ذلك في قوله عزَّ وجلّ: {وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ}. فالمتّقي هو من ينفق في حالي اليسر والعسر، ويكظم غيظه، ويعفو عن النّاس، وسرعان ما يتوب إلى ربّه إن هو أخطأ تجاهه وتجاه النّاس، وهو من يكون صادقًا وأمينًا وحليمًا، ومن إذا وعد وفى.

عاقبة التّقوى

أمّا التَّكريم الّذي وعد الله عزّ وجلّ المتّقين به، فقد أشار إليه الله عزّ وجلّ، عندما قال إنّهم إن اتّقوا سيكون معهم، يتقبّل أعمالهم، وسيجعل لهم من أمرهم مخرجًا، وسيمنحهم بركاته في الدّنيا والآخرة: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ}، وعندما قال: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُوقوله: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}. وقد اعتبرها الله، سبحانه وتعالى، مفتاحًا لقبول الأعمال عندما قال: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}.

هذا في الدّنيا. أمّا في الآخرة، فقد أشار الله عزّ وجلّ إليه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}. وفي آية أخرى: {ِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ * فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَوعندما قال: {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}.

التزوّد من التّقوى

أيُّها الأحبَّة: إنَّنا معنيّون بالتّقوى بأن نتزوَّد منها {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ}، وهي وصيَّة الله لنا عندما قال: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللهَ}، حتّى نحظى ببركاتها وخيراتها علينا وعلى الآخرين، وما وعد الله به عباده. فلنحرص على أن نربّي أنفسنا عليها، ولتكن هي الميزان الّذي نقيّم به النّاس، ليكون تقييمنا وفق تقييم الله لعباده، وتكريمنا وفق تكريمه، فلا نرفع إلّا من رفعه الله، ولا نخفض إلّا من خفضه الله.

وهو ما دعانا إليه الإمام زين العابدين (ع) في دعائه عندما قال: “اللّهم واعصمني من أن أظنّ بذي عدم خساسة، أو أظنّ بصاحب ثروة فضلًا، فإنّ الشّريف من شرَّفته طاعتك، والعزيز من أعزَّته عبادتك”، وهو ما عبّر عنه أمير المؤمنين (ع) عندما قال: “لا تضعوا من رَفَعته التّقوى، ولا تَرفَعوا من رَفَعته الدّنيا”.

نسأل الله أن يجعلنا من أولئك الّذين يحرصون على أن يرفعوا من رفعه الله، ويخفضوا من وضعه الله، ويكرّموا من كرّمه الله، ومن هو قريب منه وأكثر إخلاصًا له، لنكون بذلك حقًّا من المتّقين، وننال ما وعدهم الله به في الدّنيا والآخرة.

وآخر دعوانا أنّ الحمد لله ربّ العالمين.

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

الخطبة الثّانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به الرّسول (ص) أحد أصحابه، وهو أبو ذرّ الغفاريّ، عندما قال له: “يا أبا ذرّ، لا يكون الرّجل من المتّقين حتّى يحاسب نفسه أشدّ من محاسبة الشَّريك شريكه، فيعلم من أين مطعمه، ومن أين مشربه، ومن أين ملبسه، أمِن حلّ ذلك أو حرام”.

فلنستوص بوصيّة رسول الله (ص)، بأن نحاسب أنفسنا لنقف على عيوبها، ونحيط بذنوبها، قبل أن نقف بين يدي من {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}، يوم {وتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ}. وبذلك نكون أكثر وعيًا لأنفسنا، وقدرةً على مواجهة التّحدّيات.

تصعيد صهيونيّ ضدّ لبنان

والبداية من التّصعيد الصّهيونيّ الّذي شهدناه أمس في الغارات المكثّفة على بلدات جنوبيّة عدّة، واستمرار عمليّات الاغتيال الّتي طاولت العديد من المواطنين في أثناء تنقّلهم وسعيهم لتأمين حاجاتهم، وفي الاستهداف لأيّ مظهر من مظاهر الحياة في قرى الشّريط الحدوديّ أو ما يسهم في إعمارها، لمنع أهلها من العودة إليها أو الاستقرار فيها، وفي الطّلعات الجويّة للطّائرات المسيّرة والحربيّة الّتي تجوب المناطق اللّبنانيّة وتنتهك سيادة البلد.

والّذي يواكَب بالتّهديدات الّتي تصدر عن قادة العدوّ الأمنيّين والسّياسيّين ووسائل إعلاميّة، بالإعلان عن نيّة هذا العدوّ في توسعة دائرة الحرب، والّتي قد تصل إلى العاصمة وضاحيتها الجنوبيَّة، بذريعة استعادة المقاومة لعافيتها وجهوزيّتها في مواجهة اعتداءاته وغطرسته.

لقد أصبح من الواضح أنَّ العدوّ يهدف من وراء ذلك إلى مزيد من الضّغط على الدّولة اللّبنانيّة للقبول بإملاءاته وشروطه، وإضعاف مناعة اللّبنانيّين وزيادة الشّرخ بينهم.

حفظ السيادة

إنّنا أمام ما يجري، ندعو الدّولة اللّبنانيّة إلى أن يبقى خيارها هو عدم الخضوع لأيّة إملاءات أو شروط تمسّ بسيادة لبنان وسلامة أراضيه وحريّة إنسانه، وأن تصرّ على موقفها الّذي أخذته أمام الدّول الرّاعية لإيقاف إطلاق النّار، بدعوة هذا الكيان إلى إيقاف اعتداءاته، والانسحاب من الأراضي الّتي احتلَّها، واستعادة الأسرى، بعد أن التزم لبنان بما تمَّ الاتّفاق عليه ولا يزال… وأيّ تأخير يطالب به لبنان، هو لسبب عدم وفاء العدوّ بالتزاماته، في الوقت الَّذي نريد من الدّولة استنفار دبلوماسيّتها، واعتماد الوسائل الّتي تكفل منع العدوّ من تنفيذ تهديداته، والاستعداد لمواجهة أيّ مغامرة جديدة قد يقدم عليها.

فيما نجدّد دعوتنا اللّبنانيّين إلى أن يكونوا أكثر وعيًا لأهداف هذا العدوّ، والمخاطر الّتي تترتّب على عدوانه من المسّ بسيادة هذا الوطن وأرضه، وأن تتوحّد جهودهم من أجل منع العدوّ من تحقيق أهدافه وإملاء شروطه المذلّة عليه، وأن يجمّدوا الخلافات في ما بينهم، ليوجّهوا سهامهم إلى من كان هو السّبب في كلّ ما يعانونه… إنّ من المؤسف أن نجد من لا يزال ينظر إلى أنَّ ما يجري يخصّ طائفة أو مذهبًا أو موقعًا سياسيًّا، بينما يريد العدوّ إخضاع الوطن والانتقاص من سيادته والنّيل من وحدته.

إنَّ على اللّبنانيّين الّذين يتحدَّثون عن سيادة هذا البلد، أن يعوا أنّ مفهوم السّيادة لا يتجزّأ، وأنّ لبنان لا يقوم إلّا بكلّ مكوّناته وطوائفه، فلا يمكن أن ينعم بالسّيادة على أرضه من دون أن تُحفَظ في جوّه وبحره، أو أن ينعم بها من هم في شماله أو شرقه أو غربه، بدون أن ينعم بها من هم في بقاعه وجنوبه وقلبه.

ملفّ الإعمار

ونصل إلى مسألة الإعمار لما تهدّم بفعل الحرب الإسرائيليّة، والّذي يزداد مع الأيّام بفعل الاعتداءات والتّفجيرات الّتي يقدم عليها العدوّ في الشّريط الحدوديّ وغيره، وهو ما أخذته الدّولة على عاتقها في بيانها الوزاريّ وخطاب القسم. وهنا نشيد بالاجتماع التّمهيدي الّذي انعقد حول هذه القضيّة الوطنيّة بدعوة من رئيس المجلس النّيابي، والّذي كنّا نريده أن يشكّل همًّا وطنيًّا جامعًا يتلاقى عليه كلّ اللّبنانيّين، بكلّ مواقعهم وطوائفهم ومذاهبهم، ليكون ذلك تأكيدًا لوحدتهم عندما تواجههم المآسي الّتي تعصف بها… فلا يتحوّل الإعمار إلى مطلب طائفيّ أو مناطقيّ، أو يعمل على انتزاعه من بُعده الإنسانيّ، ليصبح جزءًا من الضّغوط الّتي تمارس على لبنان لتقديم تنازلات من حسابه.

نزيفُ السّودان

ونطلّ على ما يجري في السّودان، لنتوقّف عند الحرب الّتي يشهدها هذا البلد في كلّ هذه المجازر والارتكابات الفظيعة الّتي تحدث فيه، ما يدعو الدّول العربيّة، ولا سيَّما المؤثّرة في هذه الحرب، للإسراع في تحمّل مسؤوليّاتها بإنهاء نزيف الدّم والدّمار والمجازر، والعمل لعودة الاستقرار إلى هذا البلد لحفظ إنسانه ومقدّراته وثرواته الَّتي يراد أن تكون نهبًا للطّامعين بها.

غزّة: العدوّ يخرق الاتّفاق

ونعود إلى ما يجري في غزّة، الّتي ورغم قرار وقف إطلاق النّار، لا يزال العدوّ يخرق هذا الاتّفاق باستهداف مبانيها، وما تبقّى من بنيتها التّحتيّة، والتّملص من التزاماته بإيصال الدّواء والغذاء الكافي إليها والمساعدات الّتي تحتاجها، ما يستدعي تدخّل الدّول الرّاعية لهذا الاتّفاق للقيام بدورها لتنفيذه كاملًا، وعدم ترك غزّة ساحة مستباحة لإرهاب هذا الكيان الّذي لن يكفّ عن العمل للهدف الَّذي يصرّ عليه، وهو التّدمير الكامل للقطاع وتهجير أهله، كما يفعل في الضّفّة الغربيّة.

ألقيت في 7 -11- 2025
اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير