قال الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُفَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} صدق الله العظيم.
نلتقي في الحادي والعشرين من هذا الشّهر ببداية شهر رجب، والّذي هو واحد من الأشهر الحرم الّتي أراد الله عزّ وجلّ لها أن تكون أشهرسلام وأمن وأمان على صعيد الأفراد والمجتمات والدّول، لذا حرّم فيها الابتداء بالقتال أو الدّخول فيه إلَّا دفاعًا عن النّفس، ودعا إلى عدمإثارة النّزاعات والعمل على إزالتها إن حصلت، وقد أشار إلى ذلك في القرآن الكريم بقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْقِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ}.
محطّةٌ للتزوّد الرّوحيّ
لكن أهميّة هذا الشّهر لا تقف عند ذلك، بل أراد الله عزّ وجلّ أن يكون شهرًا للتّزوّد الرّوحيّ والإيمانيّ، يوطّد الإنسان فيه علاقته بربّه، ولذلكحثَّت الأحاديث على صيامه أو صيام أيّام منه، ووردت فيه العديد من صيغ الأدعية والصَّلوات والأذكار المستحبَّة. وهنا أدعو أن يضع كلّ منّالنفسه برنامجه لهذا الشّهر، لنتزوّد من المعين الرّوحيّ والإيمانيّ الوارد فيه.. يضاف إلى ذلك العديد من المناسبات الّتي وردت في هذاالشّهر، والّتي يسهم إحياؤها في تعزيز الوعي الإيمانيّ والبناء التّربويّ، ففيه سنكون مع ولادة الإمام الباقر (ع)، وولادة الإمام الهادي (ع)،وولادة أمير المؤمنين (ع)، وسنكون أيضاً مع المبعث النّبويّ الشَّريف وذكرى الإسراء والمعراج، وغيرها من المناسبات.
شهر الاستغفار
ولعلَّ أبرز ما ورد في هذا الشَّهر، والّذي سنتوقَّف عنده اليوم، هو ما قاله رسول الله (ص)، عندما تحدَّث عن هذا الشَّهر، فقال: "رجب شهرالاستغفار لأمَّتي، فأكثروا فيه الاستغفار والقول: أستغفر الله وأسأله المغفرة، فإنّه غفور رحيم".
والاستغفار، أيُّها الأحبَّة، يعني أن يتوجَّه الإنسان إلى ربّه طالبًا منه الغفران.. وهو لا يقف عند حدود طلب الغفران من الذّنوب والآثام، بليتعدّى ذلك إلى أن يطلب الإنسان من ربّه أن يتجاوز عنه في تقصيره في المسؤوليَّات الّتي أوجبها الله سبحانه وتعالى عليه، سواء كان ذلكتجاه عائلته أو أرحامه أو جيرانه، أو تجاه أبناء وطنه وأمَّته. وهذا ما نجده في الدّعاء الوارد عن الإمام زين العابدين (ع): "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعْتَذِرُإِلَيْكَ مِنْ مَظْلوُمٍ ظُلِمَ بِحَضْرَتِي فَلَمْ أنْصُرْهُ، وَمِنْ مَعْروفٍ أُسْدِيَ إِلَيَّ فَلَمْ أَشْكُرْهُ، وَمِنْ مُسيءٍ اعْتَذَرَ إِلَيَّ فَلَمْ أَعْذِرْهُ، وَمِنْ ذي فاقَةٍ سَألَنِي فَلَمْأوُثِرْهُ، وَمِنْ حَقِّ ذي حَقٍّ لَزِمَنِي لِمُؤْمِنٍ فَلَمْ أُوَفِّرْهُ"، وهو ما أشار إليه أيضًا في دعاء آخر، عندما قال: "اللَّهُمَّ إنِّي أسْتَغْفِرُكَ مِنْ كُلِّ لَذَّةٍ بِغَيْرِذِكْرِكَ، وَمِنْ كُلِّ رَاحَةٍ بِغَيْرِ أُنْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ سُرُورٍ بِغَيْرِ قُرْبِكَ".
بابٌ لرحمة الله
والاستغفار، أيّها الأحبّة، هو من أهمّ النِّعم الّتي أنعم الله بها على عباده وحباهم بها، فالله سبحانه وتعالى لم يشأ لعباده أن يدعهم يتلوَّثونبالمعاصي والذّنوب والآثام ويعانون نتائجها، بل فتح لهم باب رحمته للعودة إليه والتّراجع عمَّا وقعوا فيه من أخطاء أو تقصير، ولم يحدّد لهمزمانًا ولا مكانًا، ولم يجعل وسيطًا بينه وبين عباده...
وقد فتح لهم الباب واسعًا للوصول إليه عندما قال: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَجَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}، فلا حدود لمغفرته. وفي الحديث القدسي: "يا بنَ آدمَ، لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنانَ السَّماءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لكَ،ولا أُبالِي". وقد سهَّل لهم الطَّريق لبلوغه، فيكفي لهم أن يستغفروا حتَّى يجدوا الله غفورًا رحيمًا، وإلى هذا أشار الله سبحانه بقوله: {وَمَنْيَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُورًا رَحِيمًا}، وقال: {أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.
أثر الاستغفار
وقد أشارت الآيات والأحاديث الشَّريفة إلى مدى الأثر الّذي يتركه الاستغفار، فهو لا يقف عند حدود محو الذّنوب وإزالة آثارها، بل جعله اللهسببًا لزيادة الرّزق وتوسعته، ودفع البلاء عن الإنسان في الدّنيا، وإزالة همومه وغمومه، وبابًا للأمان في الحياة.
وهذا ما أشار إليه الله سبحانه: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ}،{وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ}.
وورد في الحديث عن أمير المؤمنين (ع): "وَقَدْ جَعَلَ اللهُ سُبْحَانَهُ الِاسْتِغْفَارَ سَبَبًا لِدُرُورِ الرِّزْقِ وَرَحْمَةِ الْخَلْقِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْإِنَّهُ كانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْرارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهارًا}. فَرَحِمَ اللهُ امْرَءًا اسْتَقْبَلَ تَوْبَتَهُ،وَاسْتَقَالَ خَطِيئَتَهُ".
وقد أشار الإمام عليّ (ع) بعد وفاة رسول الله (ص) إلى الأمان الّذي يحقِّقه الاستغفار في الحياة، فقال: "كان في الأرض أمانان من عذابالله، وقد رفع أحدهما، فدونكم الآخر فتمسَّكوا به: أمَّا الأمان الَّذي رُفِع فرسول الله (ص)، وأمَّا الأمان الباقي فالاستغفار، قال تعالى: {وَمَاكَانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}".
كيفيّة الاستغفار
أمَّا كيفيَّة الاستغفار، فهو لا يقف عند حدود النّطق بصيغة الاستغفار أو الإكثار من ذكرها باللِّسان، بل أن يقترن الاستغفار بالعزم على عدمالعودة إلى الذّنب، وإصلاح ما ترتّب على ارتكابه من فساد، وهذا يكون بتعزيز المذنب لرقابة الله، حتّى لا يعود إلى ارتكاب الذّنب أو التّقصيربالطّاعة.
وقد بيّن الإمام عليّ (ع) المعنى الحقيقيّ للاستغفار، فقال: "تَدْرِي مَا اَلاسْتِغْفَارُ؟ إِنَّ لِلاسْتِغْفَارِ دَرَجَةَ اَلْعِلِّيِّينَ، وَهُوَ اسْمٌ وَاقِعٌ عَلَى سِتَّةِمَعَانٍ؛ أَوَّلُهَا اَلنَّدَمُ عَلَى مَا مَضَى، وَاَلثَّانِي اَلْعَزْمُ عَلَى تَرْكِ اَلْعَوْدِ إِلَيْهِ أَبَدًا، وَاَلثَّالِثُ أَنْ تُؤَدِّيَ إِلَى اَلْمَخْلُوقِينَ حُقُوقَهُمْ، حَتَّى تَلْقَى اَللهَ عَزَّ وَجَلَّأَمْلَسَ لَيْسَ عَلَيْكَ تَبِعَةٌ، وَاَلرَّابِعُ أَنْ تَعْمِدَ إِلَى كُلِّ فَرِيضَةٍ عَلَيْكَ ضَيَّعْتَهَا فَتُؤَدِّيَ حَقَّهَا، وَاَلْخَامِسُ أَنْ تَعْمِدَ إِلَى اَللَّحْمِ اَلَّذِي نَبَتَ عَلَى اَلسُّحْتِ،فَتُذِيبَهُ بِالْأَحْزَانِ حَتَّى تُلْصِقَ اَلْجِلْدَ بِالْعَظْمِ، وَيَنْشَأَ بَيْنَهُمَا لَحْمٌ جَدِيدٌ، وَاَلسَّادِسُ أَنْ تُذِيقَ اَلْجِسْمَ أَلَمَ اَلطَّاعَةِ كَمَا أَذَقْتَهُ حَلاوَةَ اَلْمَعْصِيَةِ، فَعِنْدَذَلِكَ تَقُولُ أَسْتَغْفِرُ اَللهَ".
اغتنامُ الفرصة
أيُّها الأحبَّة، إنّنا مدعوّون إلى أن نغتنم فرصة هذا الشَّهر المبارك الّذي يفيض الله فيه برحمته، ففي هذا الشّهر، بعث الله سبحانه وتعالىالرّحمة على عباده، وأن نجري فيه مراجعة مع أنفسنا بين يدي الله تعالى لكلّ ماضينا، لنرى أين أخطأنا وأين قصَّرنا، أفرادًا كنّا أو جماعاتوأمّة، وقد يدعونا ذلك إلى أن نعرض أنفسنا على الآخرين، لأنّهم قد يرون فينا ما لا نراه في أنفسنا، وأن نعاهد الله سبحانه بعد ذلك أن لانعود إلى سابق عهدنا الَّذي أخطأنا فيه أو قصَّرنا، وأن نصحِّح مسارنا، ويكون مستقبل أمرنا خيرًا من ماضيه، فلا نفوِّت الفرصة، ونسرعإلى الاستغفار الّذي دعانا الله سبحانه إليه، عندما قال: {وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}. وكماقال أمير المؤمنين (ع): "أيُّها النَّاس، الآن الآن قبل النّدم، قبل أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتي عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ".
وفَّقنا الله لنكون من أولئك الرَّاجين لمغفرة الله، والسَّاعين إليها، لننال رضوانه، إنَّه سميع مجيب الدّعاء.
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الخطبة الثَّانية
عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بوصيَّة الإمام الخامس لأهل البيت (ع)، وهو الإمام محمَّد بن عليّ الباقر (ع)، هذا الإمام الّذي سنكونعلى موعد مع ذكرى ولادته في الأوّل من شهر رجب الحرام، عندما قال:
"أوصيكم بتقوى الله العظيم، وأن يعود غنيّكم على فقيركم، وقويّكم على ضعيفكم، وأن يشهد حيّكم جنازة ميّتكم، وأن تتلاقوا في بيوتكم، فإنَّلقاء بعضكم بعضًا في بيوتكم حياة لأمرنا، رحم الله عبدًا أحيا أمرنا". ثمّ قال: "إنّا لن نغني عنهم من الله شيئًا إلّا بعمل صالح، ولن تنالواولايتنا إلّا بالورع والاجتهاد... فمن أطاع الله وأحبّنا فهو وليّنا، ومن عصى الله لم ينفعه حبّنا".
أيّها الأحبة، إنّنا أحوج ما نكون للأخذ بهذه الوصيّة، لنقوم بمسؤوليّتنا الملقاة على عاتقنا، والّتي بها نعبّر عن حبّنا وولائنا لهذا الإمام، ونكونأقدر على مواجهة التّحديات.
تصعيدٌ بهدف الضّغط
والبداية من التّصعيد الإسرائيليّ الّذي شهدناه في الغارات الّتي توزّعت على العديد من المواقع في الجنوب والبقاع والبقاع الغربيّ، فيماتستمرّ عمليّات الاغتيال لمواطنين لبنانيّين أثناء تنقّلهم وقيامهم بعملهم... والطّلعات التّجسّسيّة للمسيّرات الّتي تخترق الأجواء اللّبنانيّة، وتصلإلى العاصمة بيروت وضواحيها، في خرق واضح لقرار وقف النّار، يجري كلّ ذلك أمام أعين اللّجنة المكلّفة بوقف إطلاق النّار وتحت سمعها،من دون أن يصدر عنها أيّ إدانة للعدوّ، أو أيّ قرار يلزمه بإيقاف اعتداءاته، فيما هي تنصاع لمطالبه من الجانب اللّبنانيّ، والّتي وصلت إلىحدّ الطّلب من الجيش تفتيش المنازل والبيوت، وهو ما شهدناه في قرية يانوح الجنوبيّة، وفي أكثر من قرية لبنانيّة أخرى، والّتي غالبًا مايتبيّن عدم صدقيّتها.
وقد أصبح من الواضح أنّ العدوّ سيتابع سياسته هذه، وقد يتوسَّع فيها رغم التّنازل الّذي حصل من الدّولة اللّبنانيّة بالقبول بأن تجريالمفاوضات على الصّعيد المدنيّ بعدما كانت ترفضه. وهو يهدف من هذا التّصعيد أن تجري المفاوضات تحت النّار، وذلك لمزيد من الضّغطعلى الدّولة اللّبنانيّة، لتقديم تنازلات يريدها أن لا تقف عند نزع سلاح المقاومة، بل إلى أن يحقّق من وراء ذلك مطالب أمنيّة وسياسيّةواقتصاديّة أعلن عنها تمسّ بسيادة الدّولة وحريّتها وقراراتها على أرضها.
مسؤوليّة الدّولة واللّبنانيّين
إنّنا أمام ما يجري ندعو الدّولة اللّبنانيّة المعنيّة بأمن مواطنيها وبسلامة أراضيها، والّتي عندما دخلت إلى المفاوضات برَّرت قرارها بوقفالتّصعيد، بأن يكون موقفها حاسمًا في اجتماع اليوم أمام اللّجنة المكلّفة بوقف إطلاق النَّار، بأن يوقف العدوّ اعتداءاته كشرط لاستمرارالمفاوضات... لأنَّ بقاء هذا التّصعيد من جانب العدوّ سيسهّل عليه فرض شروطه.
إنّنا نعي حجم الضّغوط الّتي تمارَس على البلد، ولا نريد أن نهوّن منها، بفعل القوّة الّتي يمتلكها العدوّ، والتّغطية الّتي تتأمّن له، ولكن هذا لايعني أنَّ لبنان عليه أن يستسلم أو أن يسلّم قراره للعدوّ، فلبنان يمتلك من عناصر القوَّة في الدّاخل، وفي علاقاته في الخارج، ما يمكّنه، إنهو استنفرها وعمل عليها واستفاد منها، من منع العدوّ من تحقيق أهدافه فيه، والمبادرات الّتي جرت وتجري باتّجاه لبنان تؤكّد هذه الحقيقة.
في هذا الوقت، نجدّد دعوتنا اللّبنانيّين إلى أن يعوا مسؤوليّتهم تجاه وطنهم، وأن ينظروا بكلّ جديّة إلى التّحدّي الّذي تواجهه دولتهم، ومايتعرّض له الوطن من مخاطر، ودائمًا نؤكّد أنّها لن تقف عند حدود طائفة أو مذهب أو كيان سياسيّ. إنّ المرحلة تدعوهم إلى توحيد صفوفهم،وأن يجمّدوا صراعاتهم وخلافاتهم، ويخرجوا من حساباتهم الخاصّة الّتي - مع الأسف - تزداد يومًا بعد يوم، ممّا تضجّ بها وسائل الإعلاموالتَّواصل، وأن يتلاقوا على موقف واحد يحفظ به هذا البلد سيادته، ويمنع العدوّ من أن يحقّق أهدافه.
الجلسة التّشريعيّة.. وهموم المواطنين
ونبقى على صعيد الدّاخل لنؤكّد أهمية انعقاد الجلسة التّشريعيّة الأخيرة، والّتي كنّا لا نريد أن يكون انعقادها مورد خلاف، نظرًا إلىالتّداعيات الّتي يؤدّي إليها تعطيل هذا المرفق الَّذي يعبّر عن كلّ مكوّنات الشّعب اللّبنانيّ، في وقت هو أحوج ما يكون إلى من يعمل على سَنّالتّشريعات الّتي يحتاج إليها اللّبنانيّون لتيسير شؤونهم، ومعالجة المشاكل الّتي يعانونها، وتحقيق الإصلاح المنشود، والّذي ظهر بعضٌ منهفي القرارات الّتي صدرت عن هذه الجلسة.
وفي هذا الوقت، نريد للحكومة أن تصغي إلى مطالب العاملين في القطاع العامّ، لتفعيل عمل الإدارات والمؤسّسات العامّة، وإلى مطالبالمعلّمين في المدارس الرّسميّة والجامعة اللّبنانيّة، لضمان أداء هذه المدارس والجامعات لدورها على الصّعيد التّعليميّ، والعمل بكلّ جديّةلإيجاد حلول للأزمات المعيشيّة الّتي تتفاقم يومًا بعد يوم، والّتي باتت تمسّ كلّ اللّبنانيّين.
الضفّة وغزّة: العدوان الممنهج
ونصل إلى فلسطين المحتلّة، حيث لا يكفّ العدوّ عن مواصلة اعتداءاته واستمرار حصاره على غزّة، لتيئيس أهلها، ودفعهم إلى الهجرة منها،فيما هو يعمل على تغيير الواقع الدّيمغرافيّ في الضّفّة الغربيّة، بتهديم البيوت، وتجريف الأراضي الزّراعيّة والمنشآت الحيويّة، ضمن عمليّةتدمير ممنهجة، وفي إطار خطّة متكاملة لخنق الوجود الفلسطينيّ فيها، ما يدعو الدّول العربيّة والإسلاميّة إلى تحمّل مسؤوليّتها، والقيامبالدّور المطلوب منها تجاه هذا الشّعب العربيّ والمسلم، منعًا لتنفيذ العدوّ مخطّطه الهادف إلى إنهاء القضيَّة الفلسطينيَّة.