قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} صدق الله العظيم.
حثّ الله سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة المؤمنين على العمل في كلّ مواقعه ومجالاته المحلّلة، حتى لو اقتضى منهم قطع المسافات وخوض غمار البحر وتحمّل الأخطار، وذلك لأنَّ الله سبحانه وتعالى لا يريد لعباده أن يكونوا بطّالين، يعيشون عبئًا على الآخرين، ويقتاتون من فتات موائدهم، ولأنّهم بذلك يحقّقون إرادته عزّ وجلّ في الحياة، في إعمار الأرض، واستثمار ثرواتها ومقدّراتها وإمكاناتها، وما أودع فيها من خيرات وبركات.
عبادةٌ ومسؤوليَّة
وقد ارتقى الإسلام بالعمل، عندما لم يقف به عند حدود تلبية الإنسان لاحتياجاته، حيث اعتبره عبادة، بل رآه قمَّة العبادة. وهذا ما عبّر عنه الحديث الوارد عن رسول الله (ص): “العبادة سبعون جزءًا، أفضلها جزءًا طلب الحلال”.
وورد في ذلك، أنَّ صحابيّين من صحابة رسول الله (ص) كانا عند رسول الله (ص)، فسألهما عن أخٍ لهما، فقالا له: لا ينتهي من صلاة إلَّا إلى صلاة، ولا من صيام إلَّا إلى صيام. فقال (ص): فمن يعوله؟ قالا: نحن. فقال (ص): “أنتما أعبد منه”.
وقد عدَّه الإسلام طريقًا وبابًا لبلوغ رضوان الله ومحبَّته وغفرانه، واعتبره جهادًا في سبيله، وهذا ما أشارت إليه عدد من الأحاديث الشَّريفة، ففي الحديث: “من بات كالًّا من طلب الحلال، بات مغفورًا له”.
وفي حديث آخر عنه (ص)، أنّه قال لأصحابه: “إِنَّ مِنَ الذُنُوبِ ذُنُوبًا لَا تُكَفِّرُهَا الصَلَاةُ وَلَا الصِّيَامُ وَلَا الحَجُّ وَلَا العُمْرَةُ. قَالُوا: فَمَا يُكَفِّرُهَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: الهُمُومُ فِي طَلَبِ المَعِيشَةِ”.
وقد ورد في السِّيرة، أنَّ رسول الله (ص) كان مع جماعة من أصحابه، فرأوا شابًّا قويّ الجسم، مفتول العضلات، فقالوا: لو كان هذا في سبيل الله، أي لو استعمل شبابه وقوَّته في الجهاد في سبيل الله، أما كان أفضل له؟! فأجابهم (ص): “إن كان خرج يسعى على ولده صغارًا فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفّها عن النّاس فهو في سبيل الله”.
وقد كان العمل دأب الأنبياء والأئمَّة والصَّالحين، وهذا ما أورده الحسن بن عليّ بن أبي حمزة، عن أبيه، قال: “رأيت أبا الحسن (ع) – الإمام الكاظم – يعمل في أرض له قد استنقعت قدماه في العرق، فقلت له: جعلت فداك، أين الرّجال؟ فقال: يا عليّ، قد عمل باليدِ من هو خيرٌ منّي في أرضه ومن أبي. فقلت له: ومن هو؟ فقال: رسول الله (ص) وأمير المؤمنين وآبائي (ع)، كلُّهم كانوا قد عملوا بأيديهم، وهو من عمل النبيّين والمرسلين والأوصياء والصّالحين”.
التّنديد بالبطّالين
وفي المقابل، ندَّدت الأحاديث بالبطّالين والكسالى الّذين يتسكَّعون على الأبواب من أجل تحصيل لقمة عيشهم. فقد ورد في الحديث عن الإمام الباقر (ع): “إِنِّي لَأُبْغِضُ الرَّجُلَ – أَوْ أُبْغِضُ لِلرَّجُلِ – أَنْ يَكُونَ كَسْلَانَ عَنْ أَمْرِ دُنْيَاهُ، وَمَنْ كَسِلَ عَنْ أَمْرِ دُنْيَاهُ، فَهُوَ عَنْ أَمْرِ آخِرَتِهِ أَكْسَلُ”. وفي حديث آخر: “ملعون ملعون من ألقى كلّه على النّاس”.
وقد ورد عن رسول الله (ص): “أرى الرَّجل فيُعجبني، فأقول: هل له حرفة؟ فإن قيل لا، سقط مِن عيني”.
لذا، كان رسول الله (ص) يمنع عطاءه وصدقاته، وهو الكريم، لمن كان قادرًا على العمل، وكان يدعوه بدلًا من ذلك إلى العمل ويعينه عليه، إذ تذكر السّيرة أنّه جاء إليه رجل طالبًا إعانته ليصرف على عياله، فرفض رسول الله (ص)، وقال له: اذهب واعمل، فقال لرسول الله (ص): ليس لي مال حتَّى أعمل، فقال له النبيّ (ص): هل عندك في بيتك شيء أو متاع؟ فقال: نعم. فجاء إليه الرّجل بجلد كبش وإناء يشرب فيه، فباعهما رسول الله (ص) له بدرهمين، أعطى درهمًا منهما له ليشتري به خبزًا لعياله، وآخر ليشتري به فأسًا، وأمره أن يحتطب في جبل في المدينة، وأن لا يأتيه إلَّا بعد خمسة عشر يومًا. ومضت الفترة، فكسب من عمله ما جعله قادرًا على القيام بأعباء حياته وحياة عائلته، فجاء إلى رسول الله (ص) ليقول: يا رسول الله، كفيت نفسي وعيالي وبقي معي. فقال له رسول الله (ص): هذا ما أردت لك.
ومن هنا، جاء الحكم الشَّرعيّ بعدم إعطاء الخمس أو الزّكاة لمن يملكون القدرة على العمل عندما تتوفّر لهم الظّروف، ولكنهم لا يعملون، أو يأنفون من بعض الأعمال، ويريدون أن يعيشوا عالة على الخمس والزكاة والصَّدقات.
وحتَّى إنَّ الله عزَّ وجلَّ أكَّد عدم استجابة دعاء مثل هؤلاء، رغم أنّه وعد عباده بالإجابة، عندما قال: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}، فقد جاء في الحديث أنَّ الله عزّ وجلّ لا يستجيب دعاء رجل جالس في بيته يقول: اللَّهمَّ ارزقني، فيقول الله عزَّ وجلَّ له: ألم آمرك بالطَّلب؟! اسعَ إلى العمل وأنا أساعدك، لكن لن أساعدك وأنت جالس في بيتك.
ويذكر في هذا المجال، أنّه حين نزلت الآية: {وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}، أغلق بعض المسلمين أبواب بيوتهم، وأقبلوا على العبادة وتركوا العمل، وقالوا قد كُفينا الطَّلب، فإنّ الله يرزقنا من حيث لا نحتسب، فأقبل رسول الله (ص) وقال لهم: ما حملكم على ما صنعتم؟ فقالوا: يا رسول الله، تكفَّل الله لنا بأرزاقنا، فأقبلنا على العبادة، فقال (ص): “إنّه مَن فعل ذلك لم يُستجب له، عليكم بالطّلب”.
لا تقاعد في الإسلام
إذًا، أيُّها الأحبَّة، العمل هو القيمة التي أراد الله عزَّ وجلَّ للحياة أن تبنى عليها، وأن تكون طابع عباده، وهو دعاهم أن لا يتوقفوا عنه حتى آخر نفس من حياتهم. ومن هنا يأتي القول: “لا تقاعد في الإسلام”. نعم، قد يختلف أسلوب العمل بين مرحلة الشَّباب والمرحلة التي يصبح فيها الإنسان في سن الشيخوخة، لكن لا ينبغي التوقف عن العمل. وقد ورد في الحديث: “إن قامتِ السَّاعةُ وفي يدِ أحدِكم فسيلةٌ، فإن استطاعَ أن لا يقومَ حتَّى يغرِسَها فليغرِسْها”.
تكريم العامل
ولم يكتف الإسلام بالحثّ على العمل، بل إنّه كرّم الّذين يعملون، عندما دعا إلى إعطائهم حقوقهم كاملةً لقاء أعمالهم. ففي الحديث: “مَن ظَلَمَ أجيرًا أجرَهُ، أحبَطَ اللهُ عَمَلَهُ، وحَرَّمَ عَلَيهِ ريحَ الجَنَّةِ”، ودعا ألّا يُحَمَّلوا أكثر من طاقتهم، وأن تحفَظ كراماتهم ولا يهانوا، وأن يقدَّروا ممن يتولّون إدارتهم، وأن يشعروا بالأمان في المواقع الّتي يعملون فيها، ويثابوا إن هم أحسنوا.
تعزيز قيمة العمل
أيّها الأحبَّة، إنَّنا أحوج ما نكون إلى إعادة الاعتبار في واقعنا لقيمة العمل، لنعالج من خلال ذلك حبَّ الكثيرين للراحة والبطالة الحقيقيَّة أو المقنَّعة، وذلك بأن يعمل ولكن لا ينتج من خلال عمله، والّتي قد تكون الحضارة الحديثة ساهمت فيها، عندما وفّرت للإنسان كلَّ وسائل الرفاهية، فجعلته يأنس بالأعمال المريحة، ويتهرّب من الأعمال المتعبة، والّتي تحتاج إلى بذل جهد، ولذلك بتنا نجد الكثيرين يسعون إلى الوظائف الّتي تنتج مالًا، ولكن لا تكلّف جهدًا وتعبًا.
أيّها الأحبّة، إنَّ مفتاح النهضة للإنسان والأوطان وبناء الحضارات، يتمثّل في اعتبار العمل أسمى قيمةً في الحياة، والّذي أراده الله عزَّ وجلَّ أن يكون صالحًا وفي خدمة الحياة، فبالعمل قامت الحضارات، وبه استطاع المسلمون أن يصلوا إلى صناعة حضارة من أعظم الحضارات في التَّاريخ، فيما تراجعوا عندما انكفأوا عنه، وصاروا يتسوّلون على أبواب الآخرين في حاجاتهم الصغيرة والكبيرة، ما جعلهم أسرى لهم، فيما لا يمكن أن نكون أعزّاء ويتحرّر قرارنا، إلَّا إذا شعرنا بأهمية العمل ونتائجه، واحترمنا العامل وكرّمناه، واحترم العامل دوره وأتقنه وأحسن فيه.
نبارك في هذا اليوم للعمّال، كلّ العمّال؛ من يعملون في التّجارة والزّراعة والصّناعة والبناء والخدمات، ومن ينتجون فكرًا وأدبًا، ويوجّهون ويربّون ويعلّمون ويبنون الأجيال، ومن يعملون من أجل الدفاع عن الوطن وحمايته، ويقدّمون التضحيات في هذا الطريق، لتكون أوطاننا حرّةً عزيزةً كريمةً… نبارك عطاءاتهم، نبارك كلَّ الخير الدّافق منهم، والّذي سيكون دائمًا بعين الله ورسوله (ص) والمؤمنين، يوم يقفون بين يدي الله عزَّ وجلَّ، لينالوا جزاء أعمالهم الصَّالحة فيما وعد الله عزّ وجلّ: {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا}.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الخطبة الثّانية
عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما دعانا إليه الله سبحانه وتعالى في هذا الشّهر، شهر ذي القعدة، والّذي هو واحد من الأشهر الأربعة الحرم، وهي رجب وذو القعدة وذو الحجّة ومحرّم، فقد أراد الله عزّ وجلّ لهذه الأشهر أن تكون أشهر سلام وأمان وطمأنينة، أشهرًا تجمّد فيها الحروب والتوتّرات والنّزاعات والخلافات، مهما عظمت وكبرت، وعلى كل الصعد، حتى الفردية منها، وأن تكون أشهرًا للعبادة والبذل والعطاء. ففي هذه الأشهر، تتضاعف الحسنات، فيما ينبغي أن نبتعد من الوقوع في السّيّئات الّتي هي أيضًا تتضاعف في هذا الشّهر…
فلنغتنم فرصة هذا الشّهر، بأن نجعله شهرًا يفيض علينا بالخير والبركة والأمن والأمان في الدّنيا والآخرة، ونكون به قادرين على مواجهة التّحديات.
التَّصعيد الصّهيونيّ
والبداية من العدوان الإسرائيلي المستمرّ الّذي استهدف الضّاحية الجنوبيّة، في تصعيد جديد بذريعة واهية اعتدنا عليها مع هذا الكيان، وهذا ما أكّده الجيش اللبناني بعد استطلاعه للمكان، فيما هو يتابع اعتداءاته في عمليّات الاغتيال الّتي تستهدف اللبنانيين في قراهم وأماكن عملهم، أو عبر طائراته التجسسيّة الّتي تجوب المناطق اللبنانيّة وتصل إلى بيروت. وقد أصبح واضحًا أنّ العدو يهدف من وراء ذلك إلى مزيد من الضغط على هذا البلد، لتقديم تنازلات يريدها أن تكون لحسابه، وأنّه لن يكتفي بما التزمت به الدّولة اللبنانيَّة والمقاومة التزامًا كاملًا منهما بتنفيذ كلّ بنود اتفاق وقف إطلاق النار…
يجري كلّ ذلك تحت أعين اللّجنة المكلّفة بتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، من دون أن تتّخذ أيّ إجراء إزاء تهديدات العدوّ واعتداءاته، ما يُظهر استمرارها في منح العدوّ حرية الحركة. وعلى الرغم من التغيير الذي طرأ على رئاستها على المستوى العسكريّ، لا يبدو أنّ ذلك سينعكس إيجابًا على أدائها، أو يُفعّل دورها في كبح العدوان ووقف الخروقات، إذ يبقى الأمر مرهونًا بقرار سياسيّ لم يصدر حتى الآن، وربما لا يصدر.
وهنا ننوّه بالموقف الرسمي الموحّد، والّذي عبّر عنه الرؤساء الثلاثة، والذي دعا رئيس اللّجنة المكلَّفة بوقف إطلاق النّار إلى العمل بكل جدية لوقف اعتداءات الكيان الصهيوني. ونحن نريد أن يُتابع هذا الموقف الّذي أعلنته الدّولة بقوّة، وأن يُعزّز بموقف لبناني موحَّد من كل الحريصين على سيادة هذا البلد وأمنه واستقراره.
إنَّ من المؤسف أن نشهد في هذا البلد من لا يزال يبرّر للعدوّ اعتداءاته، ويتعامل مع المقاومة كأنّها هي من تحتلّ أرضًا، أو هي التي تعتدي يوميًّا برًّا وبحرًا وجوًّا، وكأنّ اللبنانيين الّذين يعانون الاحتلال وعدوانه، والتّهجير والخسارة الكبيرة في الأرواح والممتلكات، ليسوا جزءًا من هذا البلد وأساسًا لمنعته واستقراره.
مسؤوليَّة الانتخاب
ونبقى في لبنان، لنعيد التّأكيد على اللّبنانيين الذين سيقدمون في الأيام والأسابيع القادمة على اختيار من يمثّلونهم في المواقع البلدية والاختيارية، أن يقدموا نموذجًا جديدًا في اختيار من يمثلونهم، بأن لا يأتي بناءً على العصبيّات الحزبيّة والعائليّة والطائفيّة، أو المصالح الخاصّة أو الفئوية، بل باختيارهم الأكفاء الجديرين بحمل المسؤوليَّة التي يتولونها، ومن يعرفون بنظافة الكفّ، ومن لا يستغلون مواقعهم لحساباتهم الخاصَّة، أو للجهة التي يمثلونها، بل لكلّ أبناء بلدتهم أو مدينتهم، والّذين لم يفشلوا في تجاربهم السّابقة.
إنّنا لا نريد أن تتحوّل المواقع البلديَّة إلى مواقع للصّراع السّياسي والطّائفي والمذهبي والمناطقي، بل أن تؤدّي دورها، بأن تكون ميدانًا للإنماء وخدمة النّاس وتحسين القرى والبلديات التي يتولونها. وعلى النّاخبين أن يعوا أنّهم بانتخابهم سيتحمّلون مسؤوليّة سوء اختيارهم أمام الله سبحانه وتعالى والنّاس، حيث ورد في الحديث، والّذي لا بدّ أن نضعه نصب أعيننا عند أيَّ اختيار: “من ولّى أحدًا أمرًا، وفي النَّاس خيرٌ منه، لا يشمّ رائحة الجنَّة”.
النَّزيف السّوريّ
ونصل إلى سوريا الَّتي يتواصل فيها النّزيف الدَّاخليّ وعدم الاستقرار، والّذي نشهد تجلّياته اليوم في التوتر الذي يتَّخذ بعدًا طائفيًّا، ما يسمح بإعلاء أصوات من يدعون إلى التقسيم أو الفدرلة أو طلب الحماية من الخارج، وهو الّذي شجّع ويشجّع الكيان الصهيوني على الدخول على خطّ هذا البلد، كما يحصل اليوم، تحت عنوان حماية الأقليّات، والذي وصل إلى حدّ استهدافه للعاصمة دمشق، وعلى مقربة من القصر الرئاسي.
إنّنا أمام ما يجري، نجدّد دعوتنا السلطة الجديدة لمضاعفة جهودها، للقيام بدور جدّي وحقيقي في تعزيز التّلاحم بين كلّ المكوّنات الدينيّة والمذهبيّة والعرقيّة، ومنع الأيادي العابثة في هذا البلد من أن تملك الحريّة فيه وتسمح بتهديد أمنه واستقراره.
وهنا ننوّه بالموقف الحكيم الَّذي اتخذه المجلس المذهبي لطائفة الموحّدين الدروز، برفض الفتنة والمسّ بوحدة النسيج السوريّ، والتأكيد على انتمائه العربي والإسلامي، وعدم السماح للكيان الصهيوني بتوظيف الأحداث الأخيرة لحسابه، وعلى حساب وحدة هذا البلد واستقراره ومشروعه التّقسيمي لسوريا، ورفضه لأيّ ممارسات أو ردود فعل تؤدي إلى نقل الفتنة إلى السّاحة اللبنانيّة.
غزّة: الحصار والإبادة
ونصل إلى غزّة التي يستمرّ العدوّ فيها بمجازره اليومية، والّتي يعلن أنّها قد تتصاعد في الأيام القادمة، وفي وقت يستمر الحصار المطبق عليها، والّذي شهدنا اليوم مظهرًا من مظاهره في الهجوم على سفينة أسطول الحريّة التي جاءت بمبادرة من نشطاء دوليين وحقوقيين، وتهدف إلى كسر الحصار عن غزّة، ضاربًا بعرض الحائط كلَّ المناشدات الدوليَّة، والّتي كان آخرها مناشدات الأمين العام للأمم المتحدة، لوقف حرب الإبادة هناك، وكل المبادرات الّتي تطرح لإنهاء هذه الحرب، ما يستدعي موقفًا عربيًّا وإسلاميًّا جادًّا للضغط على هذا العدوّ لإيقاف حربه الجنونية على الشّعب الفلسطيني في غزّة، والحؤول دون مواصلة عدوانه للإطباق الكامل عليها، مستفيدًا من صمت العالم، ومن الدّعم غير المحدود الّذي يحظى به هذا الكيان.