نعيش في 28 صفر، ذكرى وفاة النبيّ محمد (ص)، وهناك بعض الروايات التي تقول إنّه توفي في الثاني من ربيع الأوَّل أو في الثاني عشر منه. ولسنا في مجال النقاش في تأريخ وفاة النبيّ (ص)، ولكنّنا نريد أن نتحدّث عنه في ذكرى وفاته؛ أوَّلاً في حديث القرآن عن ذلك، وثانياً في الأجواء التي حقّقها أو أثارها رسول الله (ص) في آخر سنة من حياته وفي القرآن الكريم أيضاً.
يقول الله سبحانه وتعالى مخاطباً رسوله (ص): {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ}[الأنبياء: 34]. فمن خلال سياق هذه الآية، وما يذكره مؤرّخو السيرة، نستوحي أنّ قريشاً كانت تتمنّى وفاة النبيّ (ص)، لأنّها كانت تضيق برسالته وبصموده وبشجاعته وباستمراره على الخطّ، وجاءت هذه الآية لتقول لهؤلاء الذين يتمنون موته، كما توحي إلى الذين يتمنون موت المصلحين والصالحين من أولياء الله، أنَّ قضية الموت هي قضية الإنسان كلّه {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ}[الزمر: 30].
وننطلق من خلال هاتين الآيتين إلى الآية التي تريد أن تتحدَّث عن موت الرسول (ص) على أساس أن لا تتوقَّف المسيرة بل تستمرّ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ}[آل عمران: 144].
إنَّ هذه الآية الكريمة تعطينا القيمة الإسلاميَّة في أيّ موقع من مواقع العمل أو المسيرة الإسلامية التي يموت فيها القائد والرسول والإمام، وهي أنَّ الرسول يموت ويبقى خطّ الرسالة، ويموت الإمام ويبقى خطّ الإمامة، ويموت القائد ويبقى خطّ القائد، لأنّ الرسول ليس شخصاً ترتبط حركة الرسالة به، بل هو شخص يطلق الرسالة ويدعو إليها ويبلّغها ويجاهد في سبيلها ويعمِّقها في وعي الناس، ويتحرّك على أساس أن يكون الصورة المشرقة لها، ثم يمضي إلى ربّه كما يمضي كلُّ إنسان إلى ربّه، لتبقى الرسالة، فيما بلّغه بكلمته، وفيما أكّده بعمله، وفيما وجَّهه في كلِّ خطواته ومواقفه.
وهذا ـــ أيُّها الأحبَّة ـــ هو ما نحتاج أن نستوحيه في كلِّ علاقتنا بالرموز المقدَّسة والعظيمة والمحترمة التي تعيش فيما بيننا، وذلك بأن نأخذ من هذا الرمز أو ذاك كلّ فكره وكلّ أخلاقه وكلّ خطّه، حتى إذا غاب عنّا جسده بقي ماثلاً فينا، وأن لا نرتبط بالشخص بل بالرسالة،
إذاً، أراد الله للنَّاس أن يركّزوا على هذه الفكرة، وهي أنّ الرسول يموت كما يموت كلّ الناس لأنّه بشر، ولكن رسالته تبقى في مدى الزمن، لأنّها ليست رسالة الشَّخص، ولكنها رسالة الله.
العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله