لقد تحوّل الامام الحسين(ع) عند الكثير من الناس تحوَّل عندهم إلى تقليد من تقاليدهم، أماتوه ألف مرّة بعد أن قتله جنود بني أميّة.
ما للحسين(ع) عندنا نزوره ونحن نعصي الله قبل الزّيارة، وفي طريق الزيارة، وبعد الزيارة؟!
ماذا بقي للحسين(ع) عندنا؟ نقيم التعازي في بيوتنا وفي مساجدنا وفي نوادينا، ويأتي إليها أو يقيمها من حارب الحسين(ع) من أمثاله، ومن لايزال يزوّر إرادة الأمّة، وتقبل التعازي، ويتهامس الكثير من المؤمنين، تتحدَّثون في التعازي عن السياسة؛ التعازي شيء والسياسة شيء آخر! لا تتحدَّثوا عن هذا الحاكم الظالم، وعن هذا السياسيّ المنحرف، ولا تتحدَّثوا عن هذا المحتلّ الغاصب، ولا تتحدَّثوا عن هذا المستعمر الغاشم! إذا كنَّا لن نتحدّث عن أولئك، فعمّن نتحدَّث؟
مشكلة الحسين(ع) أنّه واجه القيادة المنحرفة وثار عليها، وواجه القاعدة المنحرفة وثار عليها، وواجه السياسة الظالمة الغاشمة وثار عليها، إذا كنا لا نتحدَّث عن الظلمة في أيّامنا فعمّن نتحدّث؟!
إذا كنّا قد أقمنا التّعزية في المنطقة الحدوديّة أو في جبل عامل أو في البقاع الغربي أو في أيّ مكان، ولم نتحدّث عن إسرائيل، فعمّ نتحدَّث؟!
يزيد كان يصلّي وكان شكله شكلاً إسلاميّاً، وإسرائيل جاءت لتحرق البلاد والعباد ودين الله وكلّ شيء، كيف نقيم التعزية ولا نضع في عقولنا أنّنا إذا أردنا أن نثير مواجهة الحسين ليزيد، فعلينا أن نفكِّر أن تلك الحرب تدلّنا على هذه، وأنَّ ساحة كربلاء تدلنا على كلّ الساحات المماثلة، وإلا أيّ قيمة للتعزية؟ تريد أن تبكي؟ ابن سعد كان يبكي. تريد أن تحزن؟ الّذين سلبوا بنات الحسين ملابسهنّ وذهبهنّ، كانوا يعيشون الحزن. تريد أن تعبِّر عن حبّك؟ الّذين وقفوا ضدّ الحسين(ع) كانت قلوبهم مع الحسين(ع) وسيوفهم ضدّه.
الحسين(ع) ليس بحاجة إلى دموعنا، وليس بحاجة إلى حزننا، الحسين(ع) يريدنا أن نذرف الدّموع من عيوننا محترقة تغلي، حتى تستطيع أن تدلّنا هذه الدموع على أنّ علينا أن نبكي المأساة في حياتنا، حتى نمنع الذين يصنعون المأساة من أن يمتدّوا في ساحاتنا.
أن تثور عاطفتك ضدّ مآسي الواقع من خلال تفاعلك مع مآسي الماضي، لتمنع مآسي الحاضر وتمنع مآسي المستقبل، لتمنع كلّ يزيد من أن يقتل الحسين(ع)، ولتمنع كلّ ابن زياد من أن يكون أداةً في سبيل أطماع أمثال يزيد، وأن تمنع الجماهير من أن تتحرَّك في سبيل أطماعها وشهواتها وملذَّاتها لتسحق بأرجلها مبادئها ورسالاتها.