الخطبة الاولى
قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}. صدق الله العظيم.
مسؤوليَّة مواجهة الفساد
أشارت هذه الآية إلى المسؤوليَّة الّتي تقع على عاتق الأمّة في العمل لتعزيز القيم الأخلاقيّة والإيمانيّة، ومواجهة ظواهر الفساد والانحراف الّتي تحصل داخل المجتمع على الصّعيد الخلقي والإيماني والاجتماعي والسّياسي، لترسيخ موقعه ودوره وتقويته، وجعله قادرًا على مواجهة التّحديات... وقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى ضرورة أن تتعاون الأمَّة، برجالها ونسائها وشبّانها وفتياتها وكهولها، للقيام بهذا الواجب، عندما قال: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}، فيما حذّر من التخلّي عن هذه المسؤوليّة والتّهاون في القيام بها.
ورد ذلك في حديث القرآن الكريم عن السّبب الّذي أدّى إلى لعن بني اسرائيل: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}.
وفي الحديث عن رسول الله (ص): "لتأمرنّ بالمعروف، ولتنهنّ عن المنكر، أو ليعمّكم عذاب الله".
وفي حديث آخر له (ص): "إنَّ الله عزَّ وجلّ ليبغض المؤمن الضَّعيف الَّذي لا دين له. فقيل: وما المؤمن الضَّعيف الَّذي لا دين له؟ قال: الَّذي لا ينهى عن المنكر".
وقد ورد في وصيّة الإمام عليّ (ع) لولديه الحسن والحسين (ع)، بعد أن ضربه قاتله الملعون ابن ملجم: "لا تَتْرُكُوا الأَمْرَ بِالمَعْرُوْفِ وَالنَّهْيَ عَنِ المُنْكَرِ، فَيُوَلَّى عَلَيْكُمْ شِرَارُكُمْ، ثُمَّ تَدْعُوْنَ فَلا يُسْتَجَابُ لَكُم".
فيما أشار الله سبحانه وتعالى إلى أنَّ أمَّة رسول الله (ص) بلغت من الموقع ما بلغت، عندما قامت بواجب الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، وقدَّمت لأجل ذلك التّضحيات عندما قال: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ}.
واجب التَّغيير
أيُّها الأحبَّة، إنّنا نعاني من هذا الواقع المؤلم، سواء على الصَّعيد الدّيني أو الأخلاقي أو الاجتماعي أو السّياسي، لأنَّنا بتنا نمرّ مرور الكرام على الفاسد والمنحرف والظّالم، وكأنَّنا لم نر شيئًا، لا نحرّك ساكنًا في مواجهته، بل وبتنا لا نستنكره حتّى بقلوبنا، ونخشى من مواجهته حتّى لا تتأثّر مصالحنا ومواقفنا.
لذا، نحن معنيون بأن نعمل على تغيير هذا الواقع. التّغيير ليس خيارًا لنا، بل هو واجب وفريضة جعلها الله على عاتقنا، هو كالصّلاة والصّيام والحجّ... بل هو أهمّ من كلّ ذلك، لأنّ بها تقام الفرائض، وتتعزَّز العدالة في المجتمع ويقوى.
وإلى هذا أشار الحديث: "إنَّ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر فريضة عظيمة، بها تقام الفرائض، وتأمن المذاهب، وتحلّ المكاسب، وتردّ المظالم، وتعمر الأرض، وينتصف من الأعداء، ويستقيم الأمر".
اختيار الأسلوب
وهذا لا يعني أن نقوم بهذا الواجب كيفما كان، بدون أن نتدبّر الأسلوب أو الطّريقة الّتي تضمن تحقيق هذا الهدف، أو أن يؤدّي ذلك إلى أن نلقي بأنفسنا في التّهلكة، أو أن نحمِّل أنفسنا ما لا طاقة لها به، فليس هذا ما يدعونا إليه الله سبحانه وتعالى، أو الّذي ورد في الأحاديث الشّريفة، بل نحن مدعوّون، أوّلًا، إلى أن نقوم بهذا الواجب ضمن الإمكانات والقدرات الّتي نمتلكها، وبما نستطيع القيام به، وبالأسلوب المناسب، وضمن مراعاة الظّروف الّتي نعيش فيها، فـ {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}.
فقد ورد في الحديث: "من رأى منكم منكرًا فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان". فإذا لم تستطع أن تواجه المنكر بيدك، فلينطق به لسانك، وإن لم تستطع بلسانك، فليخفق قلبك به انتظارًا لفرصة تسنح لك أن تتحرَّك لتغيّره.
وقد طمأن الحديث الوارد عن الإمام عليّ (ع) من يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، أنَّ هذا لن يكون سببًا يفقدهم حياتهم أو أرزاقهم أو مواقعهم: "اعلموا أنَّ الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر لن يقرِّبا أجلًا، ولن يقطعا رزقًا".
وثانيًا: أن نخطِّط لكيفيَّة القيام به، أن ندرس الأسلوب الّذي نحقّق به الأهداف، فلكلّ إنسان أسلوبه، ولكلّ مجتمع طريقته، ولكلّ مرحلة وسائلها وطرق التّأثير فيها... وقد حدّد سبحانه وتعالى لنا الوسيلة الّتي ينبغي أن نراعيها عندما نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، عندما قال: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}.
وقد جاء في الحديث: "إنَّما يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر من كانت فيه ثلاث خصال: عامل بما يأمر به، تارك لما ينهى عنه، عادل فيما يأمر، عادل فيما ينهى، رفيق فيما يأمر، رفيق فيما ينهى".
وهذا الأسلوب هو الّذي اعتمده رسول الله (ص) في دعوته، والّذي بلغ به القلوب والعقول، وفتح الآفاق لرسالته لتبلغ ما بلغت، هو لم يبلغ ذلك بالقوّة والعنف، وبذلك وصفه الله سبحانه وتعالى قائلًا: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}. وإذا كان هناك من يتحدّث أنّه استعمل القوّة لبلوغ ذلك من خلال الحروب الّتي حصلت في مرحلته، فهذا يأتي من غير وعي لأهداف هذه الحروب، فهي لم تكن لتبليغ الرّسالة، بل لإزالة الحواجز الّتي كانت تقف أمام الدّعوة إليها أو للدّفاع عنها.
هدف عاشوراء
أيُّها الأحبَّة: إنَّ قيمة عاشوراء أنّها تأتي كلَّ سنة لتذكِّرنا بهذه المسؤوليَّة وتحثّنا عليها، فالأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر والإصلاح في أمَّة رسول الله (ص) هو الهدف الّذي لأجله بذل الحسين (ع) وكلّ الّذين كانوا معه أرواحهم ودماءهم، ولأجله قدّمت كلّ التّضحيات الجسام، وهذا ما عبَّر عنه الحسين (ع) بقوله (ع) لأخيه محمَّد بن الحنفيَّة: "إنّي لم أخرج أَشِرًا ولا بَطرًا، ولا مُفسدًا ولا ظالـمًا، وإنّما خَرَجْتُ لطَلب الإصلاح في أمَّة جدّي رسول الله (ص)، أُريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المُنكَر.. فمن قبلني بقبول الحقّ فالله أولى بالحقّ، ومن ردَّ عليَّ هذا، أصبر حتّى يقضي الله بيني وبين القوم بالحقّ، وهو خير الحاكمين".
وهو دعا الأمَّة، ونحن من هذه الأمّة، إلى تحمّل هذه المسؤوليّة، عندما قال: "يا أيُّها الناس، إنّ رسول الله (ص) قال: من رأى سلطانًا جائرًا، مستحلًّا لحرام الله، ناكثًا لعهد الله، مخالفًا لسنَّة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغيِّر ما عليه بفعل ولا قول، كان حقًا على الله أن يدخله مدخله"، وعندما راح يستنهض الهمم لذلك: "ألا تَرَوْنَ أنَّ الحَقَّ لا يُعْمَلُ بِه، وَأنَّ الباطِلَ لا يُتناهى عَنهَ".
لقد عمل الإمام الحسين (ع) لأجل هذا الهدف بالكلمة الطيّبة، والحوار والإقناع، لكنَّه عندما رأى أنَّ إصلاح أمَّته وإخراجها من سباتها ولا مبالاتها، لن يتم إلّا بأن يبذل دمه ودماء أصحابه، لم يبخل بذلك.
تجديد العهد مع الحسين (ع)
لذلك، أيُّها الأحبَّة، إنَّ إخلاصنا لعاشوراء، وتجديدنا العهد مع الحسين (ع)، لن يقف عند حدود حضور المجالس، وذرف الدّموع، وإقامة المآدب والمضايف، إنّما أن نكون في الموقع الَّذي كان فيه الحسين (ع)، بأن نكون العاملين بالمعروف والتّاركين للمنكر، وأن تكون لدينا العزيمة والإرادة لنكون الآمرين بالمعروف والنّاهين عن المنكر في أيّ موقع نتواجد فيه، وأن نحقّق الهدف الّذي نسعى إليه، وأن نعمل لنقيم الحقَّ والعدل والخير ليكون طابع الحياة، وأن نرفض بأن يحرَّم حلال الله ويحلَّل حرامه، وأن يعصَى الله، وأن لا نسكت على ظلم أو فساد أو انحراف، لا نخاف من ذلك لومة لائم، ومهما بلغت التّضحيات والأثمان، لنكون ممّن قال الله عنهم: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا}.
وأن يوفّقنا الله لذلك، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الخطبة الثَّانية
عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما كان يدعو به رسول الله (ص) مع كلّ بداية لسنة هجريّة جديدة، عندما قال: "اللّهمَّ أنت الإله القديم، وهذه سنة جديدة، فأسألك فيها العصمة من الشّيطان، والقوّة على هذه النّفس الأمّارة بالسّوء، والاشتغال بما يقرّبني إليك، يا كريم، يا ذا الجلال والإكرام. اللّهمَّ اجعلنا خيراً مما يظنون، واغفر لنا ما لا يعلمون، ولا تؤاخذنا بما يقولون، حسبي الله لا إله إلَّا هو، عليه توكَّلت وهو ربّ العرش العظيم. ربّنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة إنَّك أنت الوهاب".
نسأل الله أن يوفّقنا لتكون سنة جديدة مفعمة بالخير والعمل الصَّالح، وأن تكون أفضل من ماضيها، لنكون بذلك أكثر وعيًا ومسؤوليَّةً وقدرةً على مواجهة التّحديات.
صمودُ إيران
والبداية من الإنجاز الكبير الّذي حقّقته الجمهوريّة الإسلاميَّة في إيران في ردّ العدوان الصّهيوني عليها، والّذي أكّدت فيه مدى قدراتها الّتي فاجأت العدوّ، ووصلت إلى عمق كيانه، مما لم يعهده منذ نشوئه، ما دعاه إلى إيقاف عدوانه، ومنعه من تحقيق أهدافه الّتي كان يسعى إليها، والّتي كنّا أشرنا سابقًا إلى أنّها تجاوزت حدود ما أعلن عنه من منع إيران من امتلاك القدرة النوويّة، إلى المسّ بقدراتها العسكريّة والأمنيّة والاقتصاديّة والعلميّة، وتماسك شعبها ووحدته، وصولًا إلى تقويض أركانها.
لقد حصل هذا الإنجاز رغم الاغتيالات الّتي قام بها العدوّ، والاستهداف للمواقع العسكريّة والاقتصاديّة، ورغم القدرات الّتي يمتلكها هذا العدوّ، والدّعم المباشر وغير المباشر الّذي حظي به من الولايات المتّحدة الأميركيّة والدّول الغربيّة، ورغم الحصار الّذي عانت منه طويلًا. لقد استطاعت الجمهوريّة الإسلاميّة، وبقدراتها الذّاتيّة، وإمكاناتها الّتي طوّرتها، وبدون أن تحظى بأيّ دعم خارجيّ، أن تقدّم نموذجًا يحتذى به في قدرتها على الوقوف في وجه أطماع هذا الكيان ومخطّطاته.
لقد مثّلت إيران بهذا الإنجاز عنصر ردع لهذا العدوّ، ما سيجعله يعيد النّظر بكلّ مخطّطاته التّوسعيّة في المنطقة... كما سيعطي هذا الإنجاز الأمل لكلّ الّذين عانوا ويلات العدوّ وجرائمه، بقدرتهم على استعادة قرارهم وحريّتهم ودحر العدوّ عن أرضهم ومقدّراتهم...
إنّنا أمام ذلك، نهنّئ الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران على قدرتها في ردّ العدوان، بفعل وعي قيادتها الحكيمة، والصّمود الّذي أظهرته في مواجهة هذا العدوان، ونحن على ثقة بأنّها قادرة على تجاوز كلّ الجراح والآلام الّتي عصفت بها، وستبقى أمينةً على المبادئ والقيم الّتي حملتها، والّتي لأجلها قدّمت التّضحيات في الوقوف مع المظلومين والمستضعفين، وعلى سياستها الّتي تقوم على عدم الاعتداء على أحد، ولكنّها لن تقبل بأن يعتدي عليها أحد...
موقفٌ مقدَّر
ونحن في هذه المناسبة، نحيّي الدول العربيّة والاسلاميّة على الموقف الموحّد الّذي اتَّخذته في إدانة هذا العدوان الظّالم ورفضها له، ولكنّنا نريد لموقفها أن يتجاوز حدود الإدانة، إلى عمل مشترك لمواجهة التّحدي الّذي سيبقى ماثلًا من قبل العدوّ الصّهيونيّ الّذي سعى ولا يزال يسعى ليكون هو الأقوى في هذه المنطقة والمهيمن عليها، ويقف أمام كلّ من يريد أن يسعى لبناء قواه الذّاتيّة وتطوير قدراته، وأن يكون له قراره الحرّ.
إنّنا نؤكّد أنَّ العالم العربيّ والإسلاميّ لديه كلّ القدرات والإمكانات لمواجهة تحدّيات هذا العدوّ أو غيره، إن عرف مكامن قوَّته، وتوحّدت جهوده، وخرج من الانقسامات الّتي تعصف به، والّتي تشتّت قدراته وتذهب بريحه، والّتي يعمل عليها العدوّ من خلال إثارة الغرائز الطّائفيّة أو المذهبيّة أو القوميّة، أو باستحضار سلبيات التّاريخ، أو تخويف دوله بعضها من بعض.
استمرار الإبادة في غزّة
وبالانتقال إلى غزّة، نرى أنّ العدو الصّهيوني يستمرّ في ارتكاب أبشع المجازر فيها، وعمليّات القتل الجماعي الّتي تلاحق حتّى السّاعين لتأمين احتياجاتهم من الغذاء والدّواء في ظلّ الحصار المطبق عليهم، ما يندى له جبين الإنسانيَّة. ومع الأسف، يجري كلّ ذلك في ظلّ صمت العالم وسكوته، وعدم إصداره حتّى بيانات الإدانة.
إنّنا نحيّي صمود هذا الشّعب وثباته في أرضه، وعلى التّمسك بمقاومته الشّجاعة، متسلّحًا في ذلك بإيمانه بالله وحقّه بالحريَّة، ونحن على ثقة بأنّه رغم قلّة الإمكانات والتّضحيات الجسام، سيمنع العدوَّ من تحقيق أهدافه الّتي يسعى إليها، وسيحقّق تطلّعاته في العيش الكريم على أرضه، وامتلاك قراره فيها عاجلًا أو آجلًا.
ضغط العدوّ على لبنان
ونعود إلى لبنان الَّذي يستمرّ العدوّ الصّهيوني في استهدافاته له، من خلال الغارات المتواصلة على مناطقه، وعمليّات الاغتيال للّبنانيّين أثناء تنقّلهم وداخل قراهم، أو التّفجير للبيوت المتبقّية في القرى الحدوديّة لمنع النّاس من العودة إليها، أو الطّلعات الجوّيّة لمسيّراته الّتي تجوب المناطق اللّبنانيَّة وصولًا إلى بيروت، والّتي يسعى العدوّ من خلالها إلى الضّغط على لبنان للرّضوخ له والقبول بمطالبه الّتي تمسّ بسيادة البلد وأمنه واستقراره.
إنّنا نعيد دعوة الدّولة لتحمّل مسؤوليَّتها تجاه مواطنيها، والقيام بدورها في حمايتهم، فلا يجوز أن يمرّ هذا الأمر مرور الكرام، ومن دون حتّى بيانات استنكار وشجب وإدانة، والّتي هي أضعف الإيمان، وعدم التوقّف عن التّحرّك الدّبلوماسي لإيجاد بيئة دوليّة ضاغطة على الكيان الصّهيوني لإرغامه على الالتزام بالاتّفاقات المعقودة. ونحن على هذا، نجدّد دعوتنا اللَّبنانيّين جميعًا إلى أن يكونوا أمناء على هذا الوطن، وأن يتوحّدوا ليواجهوا الضّغوط الّتي تمارس، أو تلك الّتي ستمارس عليهم، والّتي تمسّ أمنهم وسيادتهم، وأن يستحضروا في مواجهة ذلك مواقع قوّتهم، وأن لا يسمحوا للعدوّ بأن يستفيد من كلماتهم وتصريحاتهم ومواقفهم.
ذكرى رحيل المرجع فضل الله
وأخيرًا، سنكون في الأسبوع القادم، وفي مثل هذا اليوم، يوم الجمعة الرّابع من تمّوز، مع ذكرى ارتحال السّيّد الوالد (رض) إلى رحاب ربّه، وهو الّذي عاش معنا ولم يغادرنا في كلّ الظّروف والصّعوبات والتّحديات، ومن نهلنا من معين علمه وفكره وكلماته ومواعظه وأحاديثه، ومن أفنى عمره ليخرجنا من ضعفنا وجهلنا وتخلّفنا... ومن عمَّق وعينا بالإسلام في نقائه وصفائه، وعرّفنا أنَّ الحياة لا تبنى بالضّعف والتّسليم بالأمر الواقع، بل بمنطق الأعزاء والأحرار الّذين يعيشون هموم النّاس، كلّ النّاس والأمّة، ومن يقفون المواقف العزيزة، ولا يخشون في الله لومة لائم.
ونحن وبسبب الظّروف الصّعبة الّتي نعيشها، لن نقيم هذه السّنة احتفالًا، بل سنلتقي في هذا اليوم لنتوجَّه إليه بسلامنا، ونهديه ثواب قراءة الفاتحة، اعترافًا بجميله، وشكرًا له لما قدَّم، والّذي سنحفظه جميعًا بكلّ ما استطعنا من قوّة.